تظاهروا تصحُّوا

آراء 2019/11/15
...

نوزاد حسن
 
على غرار الحديث النبوي الشريف القائل «صوموا تصحّوا» يجوز ان نصوغ عنوانا كالذي وضعته للمقال لأنّني لا أشك في ان التظاهر حالة صحية باعتراف الحكومة نفسها. واذا كان الصوم مفيدا للجسد فإنّ التظاهرات مفيدة لصحة البلد السياسية لو جاز القول. وعلى هذا الاساس ستكون التظاهرات علاجا مفيدا في بيان اخطاء العملية السياسية برمتها.
  لأقل بعبارة ثانية أنّ صحة أي نظام سياسي هو في استماعه الى مطالب المتظاهرين المختلفة. ويبدو أنّ حكومة عبد المهدي تواجه موقفا صعبا لم تخفف منه حزمة الاصلاحات التي اعلنتها الحكومة اكثر من مرة. ولعل سقوط شهداء في بغداد وساحات التظاهر في المحافظات دليل على ان كل ما قالته الحكومة لم يصل الى اسماع المتظاهرين. وهذه مشكلة كبيرة حقا لأنّ الوقت يمضي وقد تتضاعف اعداد الشهداء والجرحى من المتظاهرين والقوات الامنية، وبعد ذلك تنفلت الامور لما هو أسوأ.
  يقال أنّ هناك عدم ثقة بوعود الحكومة وحزم اصلاحها. فعلى مدار ستة عشر عاما لم يلمس المواطن نوايا جديّة لاصلاح الواقع السياسي وانهاء المحاصصة على اقل تقدير. ومع أنّ السياسيين جميعا يعترفون بأن تقاسم المناصب على اساس المكونات والاحزاب هو ما جعل البلد يدور في حلقة مفرغة، فإنّ الرغبة القوية في معالجة هذا الخطأ القاتل لم تجد لها آذانا
 صاغية.
 ثم جاءت تظاهرات تشرين لتضع عبد المهدي وحكومته في مواجهة صعبة اذ سقط عدد كبير من الشهداء والجرحى، وما تزال التظاهرات تطالب بتغيير جذري في العملية السياسية برمتها تشمل شكل النظام السياسي وآلياته المختلفة كتغيير الدستور وما شابه هذا الامر.
  لا أحد يشك في صعوبة ما يمر به البلد. على المستوى الشخصي بدأت أرى ذلك القلق على من أتحدث معهم هنا وهناك. قلق لا يهدأ خوفا على مصير البلد، وحزنا على من سقطوا
 شهداء وجرحى.
هذا الوضع السياسي المربك لن يصل الى صحته الحقيقية باجراء حزم اصلاحية تعلنها الحكومة، ويقول المتظاهرون إنّ شيئا منها لن يطبق على أرض الواقع. ولعل تواصل التظاهرات وما يحدث فيها من احتكاك وقطع للشوارع يعني أن هناك رفضا لاية معالجات حكومية للواقع الذي يعاني من خلل كبير وعلى
 جميع المستويات.
أظن أنّ على حكومة عادل عبد المهدي ان تخطو خطوات تختصر أميالا في ثانية واحدة من اجل تغيير حقيقي يلمسه المواطنون جميعا. وربما تكون حتى هذه القفزات مفيدة في انعاش ثقة عمرها ستة عشر عاما تعرضت لموت دماغي. هذا يعني أنّ لغة الحوار تعطلت تماما وهذا أصعب
 ما نواجهه كشعب.
لكن دعوني أذكّر بقضية تبيّن أنّ بحر السياسة أكثر عمقا مما نتصوره. 
في العاشر من تشرين أي بعد أيام من انطلاق التظاهرات وسقوط ما يقرب من 120 شهيداً أعلنت الحكومة الحداد العام ثلاثة ايام. وفي البيان نفسه أعلن عبد المهدي أن تغييرا وزاريا سيقدم مباشرة الى البرلمان.
لكن التغيير لم يحدث. ما معنى هذا.؟ هو يعني بأنّ الاتفاقات السياسية والمحاصصة ما تزال تعمل بقوة حتى في ظل أزمة التظاهر هذه.