عبد الرحمن طهمازي أسرار الشعر الشعبي العراقي القديم والحديث

ثقافة شعبية 2019/11/17
...

ريسان الخزعلي
 
 
الشاعر المبدع عبد الرحمن طهمازي، يتمتع بمزايا إبداعية متنوعة، فهو مفكرٌ لامعٌ وناقدٌ بقدرات تحليليَّة فنية عالية في مجالي الأدب والفن التشكيلي. من أعماله: (ذكرى الحاضر- شعر، تقريظ للطبيعة – شعر، محمود البريكان – دراسة ومختارات، مرآة السرد – دراسة في أدب محمد خضير). وله الكثير من الدراسات والنقود المنشورة في الأدب والفن التشكيلي، لم تُجمع بكتابٍ بعد.
طهمازي يُقيم بعض صِلاته الإبداعيَّة مع تحولات الشعر الشعبي العراقي، قديمه وحديثه، صِلات تمعن وانتباه وتفاعل. وهو من الشعراء القلّة في مثل هذا الموقف الإبداعي. وفي ما يلي إشارات الى بعض هذه الصلات:
1 - ضمّن موالاً معروفاً للشاعر الحاج زاير في مجموعته (ذكرى الحاضر) ص:86 قصيدة (إيقاع على السليقة) المهداة الى محمود البريكان- استناداً الى خواطرك وأحكامك الشعبية، وقد جاء التضمين لضرورات فنية تُشكّل قيمة تكامليَّة لعمله
 الشعري:
العين، المرضى، صفير الوجه، منشور السعادة
وتمنع الاحداث، واليأس المحايد حين تنكرك الارادة:
يا صاح عودي ذبل وبكل دوه ما يصح
والدمع سال إوجره من ناظري ما يصح
والنيب مثلي ابحنينه لو صحت ما يصح
من حيث مضروب مابين الجوانب تبن
بمعالج الروح سرّي لو اموتن تبن
لا تنهضم عالسبع لو جان علفه تبن
اليوم حتى التبن علف السبع ما يصح
2 - قدّم لقصيدة الشاعر مظفر النواب (طشّة املبس) عندما نشرها لأول مرّة في جريدة النهضة العراقية العدد 71 في 24 /11 /2003، إذ كان يعمل سكرتيراً للتحرير، وقد كان التقديم بعنوان (ألطاف الشاعر) ومما جاء في هذا التقديم:
ينفتح ديوان النهضة خافقاً بمظفر شاعر الارومة العراقية، بضمائرها التي يرافقها شرف واحد وسعادة مبحوحة ووعود خالدة بالنجاة حيث العاطفة الوطنية التي يتكرم الشعراء بتقديم مراياها بعد ان شدّهم حليب النسغ الى الجذور شدّاً. صديقي الصدوق، قصيدتك ها هي أمانة تدور عليها لطافة الأعين، فهلّا حبوتنا بلطف الطلعة الناصعة في رحبة البيت.
3 - كتب مقدمة مجموعة (تل الورد) للشاعر عريان السيد خلف بعنوان (الصمت يتحرر) ومما جاء في هذه المقدمة:
تتمتعُ قصائد عريان السيد خلف بامتيازات شعر العامية العربية لجنوب العراق، وهي امتيازات أصيلة، يُمثلها أكثر من أي عنصر آخر المواد غير المحدودة للوقائع والتطلعات المشتركة، التي تتقطع أحياناً كالفولكلور اللغوي (للأغنية) وتتماسك مرّات كثيرة كقصيدة حديثة لها موضوع وجداني مستقل لا يلبث أنْ يكون مناسبة خاصة لانفعال الشاعر بما هو مشترك. 
توجد في قصائد عريان كميّة غير قليلة من عادات اللسان العامّي لجنوب العراق المتاخم للبادية، من مفردات الى تراكيب الى تصرّفات صوتيَّة مع تمثيل للإيقاعات على نحوٍ خاطف، كما أنَّ في القصائد كميَّة غير قليلة ايضاً من ثقافة اللسان العامّي ذات الصلة بالمعنى، حيث الكناية والتلميح. في شعر عريان ثنائيات صامتة وأُخرى يهددها الصمت، هناك في القصائد تاريخ عاطفي وتاريخ للواجبات، البطل فيها هو العراقي المنذور للمكاره والنوازل، والذي يجعل من مسرّاته الصغيرة مبررات لوجوده بالكامل.
إنَّ انسجامه مع الواقع يقابله وعلى الفور واثناء التجربة الشعور بالتقصير، هكذا لا يعود للتاريخ سلطة على عواطفه وواجباته إلّا إذا ارتبطتا بموضوعات كبرى من وجهة نظره، كالوطن والحب، وبمفاهيم لا ينالها البلى كالوفاء والكبرياء.
4 - في نهاية كتابه الشعري، ثبّتَ الشاعر الاشارة الآتية
في الكتاب استعمالات نحويَّة عاميّة، بل إني استخدمت القاموس الشعبي لأسباب شعبيَّة ومن ثم شعريَّة، مع كون هذه الاستعمالات لها في الخيال الفصيح مكانها. إنَّ العلماء العرب أجازوا بدوافع العلم والحرية بعض المسائل، وكل جهد علمي وحر إنما هو خطوة تقدميَّة للالتحاق بالعصر"التحاق اللغة
 بعصرها".
طهمازي، فيما تقدم وغيره الكثير، يحتكم - كما عوّدنا – بالأسرار، ومثل هذا الاحتكام هو الكشف والضوء، ولا غرابة في ذلك، فهو مثقف كبير، يمنحنا باستمرار عطاياه، ومن بينها قوّة المعنى والدلالة التي وجدها في الشعر الشعبي
 العراقي.