لملمة شتات الوطن

آراء 2019/11/18
...

د. سعد العبيدي
 
بات من الواضح وجود معضلة لما يتعلق بالوطن، وهي في الواقع معضلة ليست جديدة، إذ ظهرت واضحة بعد تحول حكم العراق الى الجمهوري الثوري الديكتاتوري، الذي توجه فيه الحاكم الى اختصار الوطن بشخصه، وحرف المشاعر من وجهتها صوب العراق خيمة تظل أهل البلاد الى شخص الحاكم ليكون هو البلاد، ودفع الضعفاء من الشعراء والأدباء الى التغنّي بشخصه حاكماً أوحداً والكتابة عن شخصه مخلصاً عبقرياً ملهماً، عندها تقلّص مفهوم الوطن في عقول الجماهير، ومن بعد هذه المرحلة الفرديّة جاءت حقبة العشائرية المناطقية التي حاول بها الحكم آنذاك الاتكال على أهل المنطقة في حراسة وتأمين الوطن
، فساروا هم وتحت وقع المنفعة الى أن يكونوا الوطن، وزادوا من هدم الوطن وتقليص مساحته في عقول العراقيين، وكانت الضربة اللاحقة لمفهوم الوطن كشعور في النفوس قد جاءت بعد العام 1968، عندما سعى حزب البعث لإحلال مفهوم الوطن العربي محل الوطن العراقي الذي يحوي من بين أبنائه مواطنين من الأكراد والتركمان وهم ليسوا عرباً
، لكن الضربة الأقسى لمفهوم الوطن جاءت بعد اعتلاء صدام حسين للموقع الأول في رئاسة الدولة والحزب الذي وضع نفسه مكان الوطن، وتعامل مع الواقع السياسي بطريقة جزأت الوطن
، عندما غزا الكويت طاعناً بشعار الحزب وأهدافه في الوحدة العربية، وقسى على الأكراد شمالاً ليدفعهم بعيداً عن الوطن، واتهم الجنوب بالعمالة وزرع بين أهله مشاعر التمرّد على
 الوطن. 
كانت تلك صورة للوطن الى العام 2003، صورة ضبابيّة، مشوّشة، لا تحمل له معنىً إيجابياً يستظل بظله المواطن أوقات الشدة وينعم بوافر ظله أوقات الرخاء. زادتها عوامل التغيير وأخطاء السياسة سوءاً وقتامة وضعفاً، عندما سعى الساسة الجدد لجهل منهم وضعف في تكوينهم الى إحلال الطائفة صورة بديلة للوطن، والعمل على تقوية الحزب على حساب الوطن، فتكوّنت على إثر هذا أوطان متعددة، وأصبحت في هيكل الدولة أوطان تبعاً للمكوّنات، وبات في الجيش الواحد ولاءات لأوطان تبعاً للطوائف والأقوام، ومثله في الشرطة والوزارات، وبالتدريج وبتكرار أعمال السياسة وفتح المجال للتدخل الخارجي انحسر مفهوم الوطن بشكل كبير في نفوس المواطنين. 
لكن الوطن مشاعر لا يمكن العيش دونها على الرغم من إمكانية التعايش مع جوانب الخلل فيها، حقيقية أثبتت وجودها أحداث وشعارات التظاهر بعد 10/1 هذا العام حيث التركيز على الوطن قاسماً مشتركاً لعموم المتظاهرين، وأثبتت أن الوطن في داخلنا بحاجة الى انعاش ولملمة مشاعر وحماية من الاستلاب، وأثبتت أيضاً أن تحقيق مثل هذه التمنيات ليس بالأمر العسير، اذا ما عدل أهل السياسة مفهومهم عن الوطن وغيروا من اساليبهم في العيش على حساب الوطن، وسارت الحكومة خطوات الى الأمام في تحقيق العدالة والمساواة والانصاف وإيقاف التدخل الخارجي والتعامل مع المحيط الإقليمي نداً، والايمان بأنّ العراق 
أولاً.