سلام مكي
بقي هاجس تعديل الدستور، ملازماً النخبة السياسيَّة منذ نفاذه في العام 2005 وحتى الآن، خصوصاً النخبة المختصة بالدستور والقوانين، والتي تدرك جيداً أنَّ الظروف التي أقر بها الدستور لم تكن طبيعيَّة، وأنَّ ما حصل من أمور أثناء وقبل التصويت على الدستور كان يختلف كلياً عن اليوم، من حيث تكون فكرة واضحة عنه من خلال تطبيقه واكتشاف العيوب والثغرات التي كانت سبباً في الكثير من المشكلات والأزمات التي مرَّ بها البلد، خلال الفترات السابقة. ولكنَّ ذلك الهاجس لم يتبلور بشكل صحيح ولم يتحول الى فكرة تطبق على أرض الواقع بحيث يمكن تفعيل النصوص الدستوريَّة التي ترسم الآلية الكاملة لتعديل نصوص الدستور.
واليوم وبعد اندلاع الاحتجاجات ورفع المتظاهرين مطالب عديدة من أهمها تعديل الدستور، ومبادرة رئاسة مجلس النواب لتلبية هذا الطلب من خلال تشكيل لجنة للنظر بالتعديلات الدستوريَّة، وقيام تلك الرئاسة بمخاطبة الجهات المعنيَّة كمجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية والجامعات ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، لغرض تقديم مقترحاتها بخصوص التعديلات التي ستطرأ على الدستور، وبيان المواد المراد تعديلها.
وذلك اعتماداً على نص المادة 142 من الدستور التي نصت على تشكيل لجنة من أعضاء مجلس النواب تتولى تقديم تقرير الى المجلس خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر يتضمن التوصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور وبعد ذلك تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتعد مقرة بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس. هذا النص الدستوري هو الذي تم الاعتماد عليه في الوقت الحاضر لتعديل الدستور، كجزءٍ من سعي البرلمان لتلبية مطالب المتظاهرين، وكذلك لشعور الطبقة السياسية الحالية بضرورة إجراء التعديل لبعض المواد التي أصبحت تشكل عائقاً أمام تقدم وتطور البلد. الحقيقة، وكما طرح د. حسن الياسري قبل أيام في مقال له في جريدة الصباح، من أنَّ ركون البرلمان لتعديل الدستور استناداً لأحكام هذه المادة يمثل خرقاً للدستور، كون أنَّ النص الدستوري يشير الى أنَّ اللجنة المقصود تشكيلها تكون منذ الدورة الأولى لمجلس النواب، وليس لباقي الدورات، وأنَّ هذه المادة بحكم الميتة ولا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر، وأنها وكما قال الياسري، وضعت في اللحظات الأخيرة، لضمان تصويت مكونٍ معينٍ على الدستور، وهي أي المادة الدستورية كانت رسالة اطمئنان للمكون، لضمان حقوقه. الحل في تعديل الدستور، يكمنُ في المادة 126 التي وضعت آلياتٍ أكثر سهولة من المادة 142 ويمكن لو توفرت الإرادة الحقيقيَّة للكتل السياسيَّة أنْ تمضي بمشروع التعديل اعتماداً على المادة 126 والتي نصت: لرئيس الجمهوريَّة ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس أعضاء مجلس النواب اقتراح تعديل الدستور. الفقرة ثالثاً من هذه المادة اشترطت موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. فمن خلال هذا النص يمكن تعديل الدستور من دون الحاجة الى أخذ موافقة ثلاث محافظات، إذ إنَّ الكثير من المختصين بالشأن الدستوري يرون استحالة تعديل الدستور، بسبب الفقرة رابعاً من المادة 142 التي اشترطت لتمرير التعديلات عدم رفضها من قبل ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات. فبالعودة الى نص المادة 126 نجد أنها اشترطت موافقة الشعب، أي أنَّ النسبة الموافقة على التعديلات أكبر من النسبة الرافضة لها، عندها ستمررُ التعديلات، في حين أنَّ المادة 142 نصت على أنَّ عدم موافقة ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات لا يمكن معها تمرير التعديلات حتى لو وافق جميع المصوتين في باقي المحافظات.
وهذا أمرٌ غير منطقي، ولا يمكن الركون إليه، إذ إنَّ هذا النص يعني استحالة تعديل الدستور، كون أنَّ الكثير من الناخبين والمصوتين، يخضعون لتأثيرات الأحزاب والكتل التي تسيطر على تلك المناطق، وبالتالي، فإنَّ رفضهم أو موافقتهم مرهونٌ بموافقة تلك الأحزاب. إنَّ على مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية وكذلك أعضاء مجلس النواب الالتفات الى المادة 126 بدلاً من انتظار إجراء مجلس النواب بخصوص تعديل الدستور. فبموجب هذين الطريقين يمكن اللجوء الى الخبراء في الفقه الدستوري وكذلك المختصين لغرض تقديم الاقتراحات اللازمة لغرض تعديل الدستور.