قلق مشروع

آراء 2019/11/24
...

زهير الجبوري
 
في ظلّ الأحداث التي نعيش تفاصيلها بشكل يومي، وفي ضوء الارقام والاحصائيات اليومية التي تكشفها وسائل الاتصال (الميديا) لبعض المتظاهرين الذين وقعوا شهداء في ساحة الاحتجاج والذين اصيبوا اصابات بالغة او طفيفة، تظهر امامنا بعض الاسئلة المشروعة من خلال الكلام المتداول او بالأحرى الكلام اليومي الذي يتداوله الناس، فحواها الى اي مدى يمكن قراءة واقعنا قراءة (استراتيجية) تحمل النتائج الكافية والوافية لمجتمع عربي/عراقي عاش فترات طويلة في اجواء الحروب، أزعم أنّ قراءة الواقع العراقي في ظل ما قام به ابناؤه ينطوي على وعي اجتماعي بالدرجة الأساس، ولم تكن التوصلات الكبيرة في حمل الشعارات والتوجه بها الى مكان الصرخة التحريرية، إلّا بداية ناضجة لثورة مختلفة تماما عن جميع الثورات عبر تاريخ العراق الحديث..
واذا كانت الطبقة السياسية الحاكمة في العراق تدرك خطورة المرحلة هذه قبل اندلاع شرارة الثورة في كل مناطق البلد، اذن لماذا لا تعمل على ايجاد ما يجعل صوت الشعب المحتج له قيمة..؟ إذ تكرر التجمع الطبقي المجتمعي في العراق في مناطق متباعدة، أهمّها مركز العاصمة وساحته الأثير (ساحة التحرير) منذ العام 2011 ثم 2015 الى فترة الانتخابات التشريعية، ألم يكن هذا كافياً لقراءة الانسان العراقي من جميع جوانبه الاجتماعية والسياسية والنفسية والعرقية، وهل كان كشف المستور من سرقة الأموال والتجاوز على المال العام وحالات التزوير في دوائر الدولة العراقية من خلال طرحه بشكل واضح للبعض عبر القنوات الفضائية غير كافٍ للتغيير واعادة النظر في صناعة دولة قوية بعيدة عن هذه الحالات التي سيدوّنها التاريخ..القلق المشروع الذي يلازم الانسان العراقي في ازمته الحالية ينطوي تحت يافطة (ماالجديد .. او ما القادم ..او ما المصير)، خصوصا اذا ما علمنا أنّ هناك جهات أخرى مؤثرة تقف بجانب البرنامج الحكومي لتصحيحه، اهمها (المرجعية الدينية الشريفة)، ولعل سؤال المتظاهر، هو سؤال المجتمع عبر واقع مأزوم، سؤال وجودي خلق في عتمة تراكمات كبيرة لأكثر من عقد ونصف العقد، كما أنَّ الاعترافات المتواصلة لفشل المنظومة السياسية في المرحلة الراهنة من قبل السياسيين أنفسهم أعطى دليلا قاطعا في تراصف المجتمع مع بعضه لإعادة الحس الوطني ورفع شعار (نريد وطناً)، ألم تكن هناك خطة تنمية تشتغل عليها كل دولة فيها شروط وفروع واجزاء مفصلة، ومدة محددة من الأعوام وتعمل على تطوير الاقتصاد وايجاد الموارد المالية عبر مفصل معين يعرفه الجميع ..
الحس الديالكتيكي الذي انتجته سنوات ما بعد 2003 لم يكن ليخلق برنامجه الوطني او بالأحرى برنامجه البنائي في جعل البلد له بنية تحتية قوية فضلا عن سيادة قوية، حيث المحاصصة ونتائجها الواضحة، يبدو أنّ قراءة الاشياء تحتاج الى دلائل كثيرة وواسعة، لكن السؤال الجوهري الذي يبحث عنه المواطن العراقي خلال فترة تواجده في ساحات الاحتجاج في كل مدن العراقي (أين أنا من هذا الوطن..؟)، وبلا شك يحيله الى القلق الكبير وهو يرى بأمّ عينه لا حياة آمنة ولا مستقبل مضمونا ولا كفاءة تمارس حقها في المكان المناسب، والشيء الملفت للنظر ان بعض الكتل السياسية التي تمارس حقها في مفاصل الدولة وتعبر عن تضامنها مع المواطن المحتج، وتناقش اسباب الخلل وتمني النفس في ايجاد طرق لحلها، لا أدري ان كانت هذه الكتل السياسية بأحزابها تغض النظر عن اوجاع المجتمع وطبقاته الفقيرة ولا تعلم بأنّها صاحبة القرار في الكثير من الحلول غير المعمول عليها ..