يحتدم الجدل بين أغلب المختصّين في شأن حدود صلاحية الحكومة المستقيلة للسيد عادل عبد المهدي كونها حكومة تصريف اعمال يومية، ويتساءل العديد من المواطنين –ايضا- عن ماهية هذه الحكومة وما هي الحدود التي لا تستطيع تجازوها، وهل يمكن لهذه الحكومة ان تقدم مشروع قانون الموازنة – مثلاً- لمجلس النواب، وهل يمكن لها اصدار قرارات بتعيين الموظفين او نقلهم، ومن ثمّ هل ورد تعرف لحكومة تصريف الاعمال في الدستور والقوانين والانظمة العراقية كي يتمّ الاستناد إليها في تحديد صلاحيات حكومة تصريف الاعمال؟
وعلى هذا الاساس نستطيع القول إنّ حكومة تصريف الأعمال هي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف الأمور لمدة محددة من الوقت بعد سحب الثقة بالاقالة او بالاستقالة، ولا يحق لهذه الحكومة البت في الأمور ذات الطبيعة المستقبلية والمصيرية، ويقتصر عملها في العاجل من شؤون الحكومة، واختصاصاتها محدودة، فلا يحق لها القيام بمبادرات وأعمال ذات نتائج سياسية – على سبيل المثال لا الحصر عقد الاتفاقيات والمعاهدات- او تقديم مشروعات القوانين لمجلس النواب، وأبرز مهامها تصريف امور الوزارات المختلفة بالحد الأدنى من الاستمرارية الإدارية، ولتسيير مصالح المواطنين. بمعنى آخر ان (تصريف الاعمال اليومية) تلك التصرفات اليومية والاعمال الروتينية للجهاز الإداري التي لا تتضمن أي بعد سياسي قد يخلق آثاراً
مستقبلية.فمن جهة لا بدّ من وجود حكومة تتمتع بسلطة لتأمين استمرار الحياة اليومية ومقتضياتها الضرورية وديمومتها وضمان انتظام سير المرافق العامة، بين تاريخ إقالتها او تقديمها الاستقالة وبين تكليف حكومة اخرى، لان حكومة تصريف الاعمال فقدت ثقة البرلمان مما يجعلها غير قادرة وغير ذات صلاحية دستورية كاملة. ولا يندرج ضمن (تصريف الامور اليومية) التدابير التي من شأنها ان تلزم الحكومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة وخاصة المصادقة على مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، وكذا التعيين في المناصب
العليا.
الدستور العراقي
على الرغم من ان الدستور العراقي لسنة 2005 لم يتطرق الى تحديد تعريف (تصريف الامور اليومية) وحالات تطبيقها ونطاق ومضمون عملها، بل اكتفى بتسمية الحالة بشكل عام للتمييز بين حكومة كاملة الصلاحيات وحكومة منقوصة الصلاحيات لتمشية الامور اليومية ذات الاختصاصات المحدودة. في مادتين مستقلتين وهما:
1 - المادة 61/ ثامناً / 3/ ب: (في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية. الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة (76) من هذا الدستور).
2 - المادة 64/ ثانيا: (يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلا، ويواصل تصريف الامور اليومية).إلّا أنّ المشرّع العراقي تدارك هذا النقص وحدد الشؤون التي تدخل ضمن (تصريف الاعمال اليومية) في المادة 24 / ثانياً من النظام الداخلي لمجلس الوزراء العراقي رقم (2) لسنة 2019 الصادر في جريدة الوقائع العراقية رقم (5433) في 25 آذار 2019، اذ نصت المادة اعلاه على (يقصد بتصريف الاعمال اليومية: إتخاذ القرارات والاجراءات غير القابلة للتأجيل التي من شأنها استمرار عمل مؤسسات الدولة والمرافق العامة بانتظام واضطراد ولا يدخل من ضمنها مثلا اقتراح مشروعات القوانين او عقد القروض او التعيين في المناصب العليا في الدولة او الإعفاء منها او اعادة هيكلة الوزارات والدوائر).وعلى هذا الاساس - وبناءً على ما ورد في نصّ المادة أعلاه من النظام الداخلي لمجلس الوزراء- لا يحق لحكومة تصريف الاعمال اليومية الحالية تقديم الموازنة العامة لانّ الموازنة هي مشروع قانون لا يدخل ضمن تصريف الاعمال اليومية، وكونها –الموازنة- ترتب أثرا مستقبليا لسنة مالية مقبلة، كما لا يحق لحكومة تصريف الاعمال عقد الاتفاقيات والمعاهدات، ولا اصدار قرارات تعيينات وسواها، كما لا يحق لها اعفاء او عزل أيٍّ من المناصب العليا في الدولة (الدرجات الخاصة)