الثورة .. دروس التاريخ ومستلزمات المرحلة

آراء 2019/12/06
...

عادل العامل
 
تحدث الثورات عبر التاريخ، وبعضها يحالفه «الحظ» فينتصر، ولو إلى أمَد، والبعض الآخر يتراجع في حدّته، أو يتوقف، أو يفشل، وفقاً لمبررات قيام الثورة، وسعة الاستياء الشعبي، وموقف شرائح المجتمع المختلفة ومؤسسات الدولة وخاصةً القوات المسلحة، إضافةً للوضع الإقليمي والدولي ومصالحه من نشوء وضع جديد قد لا يناسب هذه المصالح.
لقد حدثت ثورتان عظيمتان خلال القرون الثلاثة الماضية هما الثورة الفرنسية في تموز عام 1789، التي انتهت بتصفية قادة الثورة بعضهم للبعض الآخر بعد أن قاموا بتصفية خصوم الثورة والكثير الكثير من الناس الأبرياء الذين راحوا على الشبهة أو على الهوية، كما حصل لدينا في السنوات السود من العقد الأول من هذا القرن. وانتهى ذلك بتسلط ضابط صغير مغمور أصبح فيما بعد الامبراطور نابليون الذي أهلك ملايين الناس بحروبه التوسعيّة في أوروبا وما جاورها فضلا عن الذين أهلكتهم ثورة تموز.
أما الثورة الأخرى، فهي ما يسمى بثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى عام 1917، التي أكلت قادتها بطريقةٍ أو بأخرى وبلغت من العظمة حد إهلاك الملايين من الاتحاد السوفييتي ــ قمعاً، وسجناً، وقتلاً، وجوعاً، ونفياً ...هذا فضلا عن ملايين أخرى ذهبوا في مطحنة الحرب العالمية الثانية وما بعدها من حروب الوكالة مع الغرب. مع أن أهداف الثورة كانت من أنبل الأهداف التي لا يصدّق إمكانية حصولها العقل السليم ولا يسمح بتحقيقها الواقع ولا يتقبّلها الوضع المحلي ولا الاقليمي ولا الدولي المعادي بطبيعته لمثل هذه التغيّرات. ولهذا لم تعمّر سوى سبعين سنة تقريباً، كنظام وليس كثورة، لأن الثورة كانت قد تحولت منذ أمد بعيد إلى دولة بيروقراطية مستبدة ترأسها نخبة انتهازية من العجزة والفاسدين وطلاب المنافع الشخصية التي لا تتوقف عند حدٍ إلا بهلاك النخبة ذاتها، تماماً كما يحصل لدينا وما سيحدث في العراق قريباً.
وهكذا فإنّي أأمل أن يكون شباب الثورة العراقية الشجعان على معرفة بالدروس المهمة التي تعلّمتها الشعوب من الثورات والانقلابات والانتفاضات في تاريخنا الحديث، وعلى حذرٍ شديد من غدر وألاعيب الزمرة الفاسدة المتنفذة التي سوف تستميت غباءً من أجل الحفاظ على السحت الحرام الذي كدّسته طوال الـ 16 عاماً ــ أموالاً، وأرصدة خارجية، وعقارات، وعلاقات نفعية، واستقواءات بالجوار، ومنافع أخرى مختلفة.    
وإنّي لأشعر بالسعادة لهذه الروح الثورية النقية لدى جماهير الشعب المنتفض بشرائحه المختلفة، عدا بعض ردود الفعل الشبابية الانفعالية الطارئة، كما يثير لديَّ الاعجاب والفخر هذا السلوك المنظم لدى هؤلاء الشباب وطليعتهم «الخفيّة»، التي أرجو أن تظل خفيةً حتى تتضح ملامح مرحلة ما بعد إسقاط الحكومة وتتقلَّم مخالب أشرار «الطرف الثالث»، الذين يحتاجون كما يبدو من المرجعية الدينية الموقِّرة توجيهاً حازماً ملزما كالذي وجهته لتكوين الحشد الشعبي في حينه للقضاء على عدوان داعش الإرهابي، وبذلك ستنفضّ هذه الجماعات المسلحة بالتأكيد عن قياداتها الفاسدة المتغوّلة وتسهم هكذا في عملية اختصار فترة التحول الثوري الراهنة نحو قيام نظام عادل وحر جديد سيكون فيه لهذه الجماعات، بل وحتى لقيادات الأحزاب إذا ما اتقت الله وغيّرت ما بأنفسها، نصيبها من المكاسب العظيمة التي ستتحقق للشعب جميعاً.