تعرضت أسعار الذهب لهبوط ملحوظ خلال الأسابيع الماضية، رغم المكاسب القوية التي سجلها في أول 8 أشهر من العام الحالي، ومع حقيقة أنَّ المعدن النفيس يُعدُّ بمثابة حصن الأمان بالنسبة للمستثمرين في أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، فإنَّ البيئة الإيجابيَّة تمثل ضغوطاً أمام صعود الذهب.
ويتزمن هذا الأداء مع إقبال متزايد من قبل المستثمرين على الأصول الخطرة وهو ما جاء على حساب نظيرتها الآمنة مثل الذهب.
أداء المعدن الأصفر
سجل سعر التعاملات الفورية للذهب خسائر في الأشهر الثلاثة من أيلول الماضي وحتى تشرين الثاني، مع حقيقة أن الذهب فقد 59 دولاراً من قيمته في تلك الفترة أو ما يوازي 3.9 بالمئة.
وصعد المعدن لمستوى مرتفع عند 1560.4 دولار للأوقية في تعاملات يوم 4 أيلول الماضي، ليفقد منذ ذلك الحين نحو 90 دولاراً أو 5.8 بالمئة من
قيمته.
وفقد الذهب نحو 56.5 دولار (أو 3.9 بالمئة) من قيمته في شهر أيلول قبل أن يتعافي قليلاً في الشهر التالي مرتفعاً بنحو 41.9 دولار (أو 2.8 بالمئة).
وبعد ذلك عاود الذهب الهبوط مجدداً ليخسر 44.4 دولار (أو 2.9 بالمئة) في تشرين الثاني.
ومع ذلك، فإنَّ تلك الموجة الهابطة الأخيرة في أداء المعدن النفيس لم تمنع الذهب من حصد المكاسب القوية في أول 11 شهراً من العام 2019 والتي بلغت 189.1 دولار أو 14.8 بالمئة.
واقع الأسواق
أسهمت النزاعات التجارية، إضافة لمخاوف الركود الاقتصادي العالمي، في تعزيز الطلب على الذهب في أول 8 أشهر من العام ليسجل مستويات غير مسبوقة في 6 سنوات تقريباً.
لكنَّ آمال توقيع المرحلة الأولى من الصفقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين أدت إلى تغيير المسار السائد ليدفع التفاؤل المستثمرين نحو الأسهم.
وحققت "وول ستريت" مستويات قياسيَّة مرتفعة متتالية في الفترة الأخيرة، كما أنَّ "البورصات الأوروبيَّة" صعدت لمستويات هي الأعلى في 4 سنوات تقريباً.
كما أنَّ الطلب على المعدن تعرض إلى ضغوط أخرى مع الدولار الأميركي الآخذ في الصعود، كون الورقة الخضراء المرتفعة تدفع المعدن المقوم بالدولار ليصبح أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى.
وفي السياق ذاته، فإنَّ التحول في سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو التيسير النقدي ألقت بظلالها هي الأخرى على سعر المعدن النفيس.
وبعد اتجاه التشديد القوي الذي اتبعه البنك المركزي الأميركي في العام الماضي ليرفع معدل الفائدة 4 مرات، تحول للنقيض تماماً في 2019 ليقلص الفائدة بنحو 75 نقطة أساس في ثلاثة اجتماعات متتالية.
وألمح الفيدرالي إلى أنه سيتبع سياسة "الانتظار" بشكل مؤقت في ما يتعلق بمعدلات الفائدة وذلك خلال الفترة المقبلة، مع مراقبة تداعيات المعلومات الواردة بشأن الآفاق
الاقتصاديَّة.
وترسل البيانات الأخيرة إشارات إيجابيَّة بشكلٍ عام حيال البيئة الاقتصاديَّة في أنحاء العالم كافة. وخضعت قراءة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة عن الربع الثالث للمراجعة بالرفع من 1.9 بالمئة إلى 2.1 بالمئة على أساسٍ سنوي.
كما أنَّ أرقام النشاط الصناعي في جميع أنحاء العالم تواصل التعافي في المجمل خلال شهر تشرين الثاني، وإنْ كان البعض لا يزال قابعاً داخل نطاق الانكماش.
توجهات الأسعار
مع هذا التحول في الفترة الراهنة، فإنَّ السؤال الأبرز حالياً يتمثل في: إلى أين سيتجه سعر الذهب في الفترة المقبلة؟
ويمكن أنْ يعطي توافد المستثمرين على شراء خيارات بيع الذهب عند سعر 4000 دولار للأوقية بحلول شهر حزيران عام 2021 في سوق خيارات العقود الآجلة الأميركي، آفاقاً إيجابية بأنَّ المعدن الأصفر سيعاود المكاسب من جديد. ومع اقتراب نهاية العام، ستكون القضايا الرئيسة التي يجب مراقبتها هي كيف تتحرك معدلات الفائدة الأميركيَّة؟، وكيف سيتم حل التوترات التجارية؟، وأخيراً أين يتجه الدولار؟، وفقاً لما تقوله كبيرة ستراتيجيي الأبحاث في مجموعة (ألفا سيمبليكس) "كاثرين كامينسكي"، نقلاً عن موقع ماركت ووتش.
وتضيف إنَّ "تلك القوى الثلاث تلعب دوراً في أسعار الذهب إذا أصبحت مهيمنة، إذ سنرى الأسعار تتحرك في الاتجاهين الصاعد
والهابط".
وفي المقابل، يتوقع "سيتي غروب" في مذكرة بحثية أنْ تستمر أسعار الذهب في التداول عند مستويات مرتفعة لفترة أطول، وسط توقعات بأنْ يتجاوز 2000 دولار للأوقيَّة.
كما يرى البنك الأميركي أنَّ الذهب سوف يسجل مستويات مرتفعة جديدة بشكل دولاري في غضون العام أو العامين المقبلين.