الفرصة قائمة

آراء 2019/12/07
...

د. كريم شغيدل
 
لم أكن متحمساً لاستقالة رئيس الوزراء بهذه الطريقة، بل كنت آمل أن يبادر بطلب إلى حل مجلس النواب بموافقة رئيس الجمهورية، ما دمنا لا نتوفر على ثلث من أعضاء المجلس ليبادروا بهذا الطلب، على وفق المادة(64) من الدستور، وبهذه الخطوة ضمنا استقالة الحكومة وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال تلقائياً، كما ضمنا الدعوة لانتخابات خلال ستين يوماً، بافتراض أن الطبقة السياسية توفرت عندها قناعات حقيقية بضرورة إعادة إنتاج العملية السياسية ما بعد 2003، وهنا يبرز سؤال مفاده: كيف تجرى الانتخابات بلا قانون جديد؟ نقول إن القانون قد تم تعديله ويمكن التصويت عليه باللجوء إلى حلول وسطية تنظيمية بتعدد الدوائر واعتماد نسب التصويت فردياً، وعدم الترشح من قبل النواب والمسؤولين السابقين، وبإشراف أممي، إلى جانب حماية مراكز الاقتراع من تدخلات الميليشيات وابتزازاتها للناخبين والمقيمين على العملية الانتخابية، وبهذا سنضمن صعود دماء جديدة في نسغ المؤسسة التشريعية، حتى من الأحزاب الحاكمة نفسها، لأنه ليس من الواقعية أن نمحو أثر الأحزاب والكتل السياسية بين ليلة
 وضحاها.
     وبما أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فإن استقالة الحكومة، وإن جاءت متأخرة، ستسهم بفتح أبواب للتغيير، فعلى الأقل استطاعت التظاهرات السلمية أن تكرس ثقافة الاستقالة، وتجعل البعض يحسب للحراك الشعبي ألف حساب، والكرة الآن في ملعب البرلمان الذي ينبغي أن يدرك حجم التحديات في هذه المرحلة العصيبة، ولعل قانون انتخابات عادلاً في توزيع الفرص هو الجسر الذي يمكن العبور من خلاله إلى بر الأمان، وأعتقد جازماً بأن الانتخابات المبكرة ستكون أجدى من تشكيل حكومة جديدة، طالما أن الحكومة الحالية بحكم المقالة، فبحسب تتبعنا لسير العملية السياسية منذ سقوط الصنم حتى اليوم، لم نجد أعقد من عملية تشكيل الحكومات، إذ لم تكتمل حكومة واحدة بيسر وسلاسة، ومصدر التعقيدات طبعاً المحاصصة والصراع على المكاسب والمناصب والامتيازات، وربما ستكون عملية تشكيل الحكومة حجة للتسويف وتعطيل عجلة التغيير والإصلاح.
     أمام رئيس الجمهورية ومجلس النواب توقيتات دستورية، هل نتوقع التزاماً تاماً بها؟ وإذا ما تعرقلت القضية فهل يصح دستورياً تمديدها؟ ما البديل إذا ما انتهت المدة الدستورية ولم تشكل حكومة؟ ما هوية الحكومة الجديدة؟ وما مدى ولايتها؟ وما نسبة الكتل فيها؟ وما صلاحياتها؟ وما معايير تشكيلها؟ وما مدى تلبيتها للمطالب
 الشعبية؟ 
قلنا في أكثر من مناسبة ومكان لا بد من لحظة عقلانية نحقن بها دماء أبنائنا التي ضاعت سدىً، وتوفير طاقات المجتمع للبناء، فنحن الآن أمام لحظة تاريخية حاسمة، مطلوب من الجميع الانتصار على ذواتهم ومصالحهم الشخصية والجهوية لصالح الوطن، بلا شعارات وتنظيرات، نحتاج لمن يضحي إكراما لتضحيات شعبنا، وعلى الكتل السياسية التي لا يختلف فيها اثنان على تفشي الفساد وسوء الأداء أن تراجع حساباتها وتعيد النظر بمنطلقاتها في بناء دولة ديمقراطية مستقلة، والفرصة لا تزال قائمة.