جعفر لبجة
لا يخفى على كل لبيب له إلمام بالشعر بصورة عامة وبجميع ألوانه ان مدينة النجف الاشرف هي مدينة مُلهمة ومتّخمة بالعلماء ومنجمٌ كبيرٌ للشعراء الشعبيين و الفقهاء والادباء والشعراء بكل صور الشعر كما هي واحة السياسيين على مدى مراحل بعيدة في القدم ..فهي منجم دائم لكل المُبدعين فمن تركوا بصمات واضحة المعالم في سِفر التاريخ وما زال عطاؤهم متجددا لا ينضب
وكيف ينضب وملهمهم قامة تناطح السحاب سمواً وبلاغة واعجازاً يحار المرء في وصفه انه امير البلاغة بل هو سيد البلغاء الذي عجزت الاقلام عن وصفه في مشارق الارض ومغاربها الا وهو امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ربيب رسول البشرية محمد (ص) وباب مدينة علمه ، ارتأيت هذه المقدمة البسيطة تمهيداً للدخول إلى تلك المدينة التاريخية الموغلة في القدم لنتعرف على بعض من حلق عاليا في سماء الشعر الشعبي وكانت له صولات وجولات مازالت ماثلة في الاذهان الى يومنا هذا .. وقبل ان اتعرض الى شاعرنا الشعبي الفَكَه أود ان أذكر بعضا من مدارس النجف الشعرية التي اتحفت العقول وتناقلتها الألسن لتعابيرها الجميلة وبساطتها اللغوية والاداء المميز والصور البلاغية الخلابة التي تدخل القلوب لتصل الهدف المنشود .. لذا كانت تتلاقفها الألسن بكل نشوة ويتداولها المتابعون في كل محفل، من أولئك النخبة عبود غفلة وزاير الدويج وعبد الحسين أبو شبع وعبد الرسول محيي الدين وغيرهم الكثير ومن بين العشرات من الشعراء الكبار برز الشاعر النجفي الكبير الفكه حين قام النجفي الذي تميز شعره بالفكاهة والنكتة .. ولقد بادرت مؤسسة الذكوات الثقافية باصدار سلسلة من كتب الشعراء الشعبيين فكان الكتاب الثاني من نصيب شاعرنا المبدع حسين قسام النجفي.ولابد لنا من وقفة في ترجمة الشاعر كي يقف القراء وخاصة الجيل الجديد كي يتعرفوا الى مبدعينا ممن كرسوا حياتهم خدمة لاوطانهم ومقدساتهم رغم اوجاعهم وفقرهم.
ولد الشاعر (حسين بن عبود القسام الخفاجي) في مدينة النجف الاشرف عام (1898م) من اسرة عربية نجفية علمية ادبية جهادية وهم آل قسام الخفاجية، لهم باع طويل في كل مجالات العلم والفقه والشعر والادب والخطابة .. ولهذه الاسرة الكريمة سمعة كبيرة بين العشائر العربية .. إذ برز منهم الفقيه العالم الشيخ قاسم القسام والعالم الشيخ علي القسام والعالم موسى القسام والعالم الكبير والمجاهد العربي الخطيب الشيخ محمد علي القسام و الشيخ هادي القسام والخطيب الكبير الشيخ جواد القسام و الكثير من العلماء و الخطباء ممن لا يسعنا ذكرهم في هذا الموجز رغم ابداعاتهم المؤثرة في محيطهم.
ونحن وان ابتعدنا قليلا عن شاعرنا الفكه آنف الذكر بيد انه لابد من التعريف و التمهيد للخوض في ايضاح شخصيته التي هي امتداد ولا شك لتلك الاسرة المعرفية اللامعة لذا استوجب الايجاز في تعريفها.
ولقد ذكرنا خلال البحث التمهيدي اسم وكنية شاعرنا المبدع وانتماءه الاسري وولادته الميمونة في المدينة المقدسة .. ولقد عُرِف كثيرا باسم (حسين كَسام) وذلك استناداً للهجة النجفية السائدة .. والطريف انه كلما ذُكر اسمه في محفل يتعالى الضحك حتى اصبحت نكاته الفطرية والمصطنعة موضع سمر للسامرين لما يملكه شاعرنا من بديهية حاضرة دائمة كانت موضع اعجاب وتقدير اهل المجالس والمنتديات ومما تجدر الاشارة له انه كان يعتمر العمامة فترة من الزمن ومن ثم تخلى عنها وله في هذا المجال ما يستحق ذكره من ابيات نقتطف منها هذين البيتين.
بهاي عمامتي انساوي عمامي
أفيد الناس من منطق كلامي
لله طعت ما صرت حرامي
بحيل الله أساويلك الخيرين
ولقد ذكره الاستاذ الكبير والشاعر الهزلي الشهير المعروف والممثل الموصوف بالنكات الشعرية والنوادر الشعبية الشيخ عبد المولى الطريحي وأطنب في مدحه ووصف أسلوبه الجمالي السلس وتراكيب ألفاظه الخلابة والتي لها تعابير باطنة وظاهرة تعبر عن المرارة التي تعصف بالأمة وعن الحياة المريرة التي كان يعيشها بسبب العوز ولكثرة عياله ولافتقاره الى أي مصدر رزق مضمون يضمن له الحياة السعيدة وهي حالة كانت الامة تعيشها بكل ازمات الحرمات والفقر المدقع.
كان يريد ان يوصل للناس ما يريده من خلال شعره .. يريد ان يُسمِع المسؤول او الشيخ او رجل الدين.
ويقول عنه الاديب الاستاذ حسين مروة ( .. وقليل هم الذين لم يقعوا – ولو مرة واحدة – ففي فخاخ هذا الرجل المنصوبة على الدوام في دروب الناس وقليل من لا يحفظ له نادرة واحدة على الاقل – من هذه النوادر الطريفة المبتكرة التي تُمزق (جُبة الوقار) على اشد الناس تزمتاً واربطهم جأشاً في التوقر و (التعقيل) ولقد وصفه الكثيرون من ذوي الاختصاص بأنه كان عبقرياً في مجاله لما يملكه من قوة الشخصية والابتكار المرتجل ويقظة الذهن وسرعة البديهة .. وعنه يقول مروة (جسمه وروحه كتلة متماسكة متحركة مخلوقة لابداع النكتة كيف جاء لونها).
ولقد اجاب شاعرنا حسين القسام على كلمة الاستاذ حسين مروه بقصيدة رائعة يُثني بها على ادب مروه نشرت في جريدة الهاتف العدد (224) للاستاذ جعفر الخليلي نقتطف منها بيتاً واحداً ..
الفضل يا حسين انت صرت راعيه
ألك ممنون ما دام النفس بيه
لقد كان القسام النجفي محبوبا من كل فئات المجتمع وبكل اصنافهم واجناسهم فهو صديق الملك غازي المقرب الذي كان دائماً ما يدعوه حينما تشتد عليه الكآبة وكذلك الملك فيصل الثاني ومرافقه الاقدم عبد الله المضايفي إذ كانا يستقدمانه الى القصر الملكي في الكوفة عندما ينتجعان فيه .. وله علاقات وثيقة بوزير المالية الحاج محسن شلاش والوزير الدكتور فاضل الجمالي والكثير من الشخصيات البارزة مما لا يمكن استيعابهم في هذه السطور القلائل ولكم في الكتاب آنف الذكر تفصيل لتلك الشخصيات المهمة والمؤثرة في المجتمع العراقي آنذاك.
وأننا إذ نشد على يد الكاتب والصحفي والباحث والمؤرخ الاستاذ رشيد سعيد مهدي القسام لإسهاماته المبدعة ومؤلفاته الثرة وبحوثه ومقالاته وتحقيقاته المنشورة في الصحف والمجلات النجفية والعراقية
والعربية.