التفكير من وظائف العقل، ومنهج التفكير يقتضي طرح الأسئلة، ويقال ان "من يطرح سؤالا قد يكون غافلا لبرهة، ولكن من لا يطرح أي سؤال أبدا، سيبقى غافلا مدى الحياة". إذن دعونا نطرح سؤالا جوهريا ما الذي أوصل بلادنا الى ما هي عليه الآن؟ إنّه سؤال مفتوح يشجعنا جميعا على الاسهاب مدفوعين بتداعيات النفع والضرر التي وقعت علينا كأفراد وجماعات، تحكمنا قدراتنا المتفاوتة في رؤية المشهد وخلفياتنا المعرفية التي تحدد الاجابة أو تتيح لها مساحة أكبر للرؤية،
وهنا لنجعل الثابت هو الوطن ولنحاول تضييق مساحة السؤال، "من الذي وقف وراء ذلك؟"
حينها ستكون اجاباتنا متفاوتة أيضا، حتى وان استبعدنا الميول والانحياز نحو الفكر والمعتقد وشكل الدولة التي نريد، ومن ثمّ فإنّ علينا اعادة انتاج السؤال بالشكل الآتي "من الذي صنع لنا الفوضى؟"، وهنا قد نتفق على أصل الموضوع الذي أسس له الاحتلال في زمن الحاكم المدني "بول بريمر" وقوانينه المئة التي أسست للفوضى، بما فيها الأمر رقم 12 المسمى "قانون تحرير التجارة الخارجية" الذي أغرق الأسواق وأعاق النهوض بالقطاعات الانتاجية وزاد في اعداد العاطلين
، والأمر 97 المسمى "قانون التنظيمات السياسية" الذي أتاح للكيانات السياسية تلقي الدعم من الجهات الأجنبية والتخابر معها على حساب المصلحة الوطنية دون رادع، ما جعل البلاد ساحة للصراعات الأقليمية بدواع طائفية، وبعد أن أسس هذا البريمر للفوضى بقيت البلاد تحت معطياتها تتحكم بها ذات الارادة خلف مسميات الجهات الدولية، وكلما حاول الخيرون لملمت الجراح والسعي باتجاه تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي تضعها الجهات الوطنية تعرضت البلاد لجروح أخرى، في وقت كان فيه العمل البرلماني مشوها جراء غياب المجلس الاتحادي، والخروقات الدستورية مدعاة للفوضى السياسية جراء غياب قانون المحكمة الاتحادية، فيما تمادت امبراطوريات الفساد في الجهاز التنفيذي جراء المحاصصة وغياب مجلس الخدمة، وتعطلت عن عمد مشاريع كانت يمكن أن تسهم في صنع الاستقرار والنمو، ومنها (ميناء الفاو الكبير، القناة الجافة، مشاريع الحكومات المحلية، ومثالنا هنا مشاريع "10 في 10" السكني ومشروع قناة الجيش في العاصمة
بغداد)، وتعطلت الخطط والستراتيجيات، ومنها "الاستراتيجية الوطنية للطاقة وأخرى لمكافحة الفساد، التعداد العام للسكان، الخطط الخمسية والعشرية"، وتعطلت الاستدامة في المشاريع القائمة بعد دخول داعش، وبموازاة ذلك تعطل تنفيذ القوانين المشرّعة، وأعيق تشريع القوانين التي تنظم مسار الحياة السياسية والاقتصادية في ظل التدخلات الاقليمية
، فتعرض العباد الى الصدمة التي أفضت الى تيه، بهدف القبول بالحلول الجاهزة التي ستأتي بها الارادة الدولية، وحين اقترب الأمر من هذه النتائج لم يتبقَ سوى إخراج الارادات الاقليمية التي أتيح لها التوغل في مرحلة الصدمة، ومن المفترض اليوم أن يدفع الشعب العراقي ثمن هذا الخروج لصالح الارادات
الدولية.
وقد نختلف بشأن هذا، ولكني سأواصل طرح الأسئلة لاثبات نهاية مرحلة "صدمة التحول" التي تعطلت فيها الحياة على مدار ستة عشر عاما، فمن الذي دفع ممثلة الامم المتحدة "جينين بلاسخارت" لتطالب بتمرير قانون المحكمة الاتحادية الان، ألم يكن مطلبا رئيسيا لنا منذ
سنوات؟
ألم يكن غيابه سببا رئيسيا في الفوضى السياسية والفساد جراء التوافقات غير الدستورية وسياسات لي الأذرع؟ ولماذا أوصت بتمرير قانون النفط والغاز بعد مرور أكثر من اثني عشر عاما من تقديمه الى مجلس النواب؟
ألم يكن غيابه مدعاة لسرقة أموال الشعب العراقي من قبل بعض القوى، ومدعاة لتشريع قانون شركة النفط الوطنية على عجالة في نهاية الدورة البرلمانية السابقة بهدف التمهيد لخصخصة القطاع النفطي؟
ولماذا أوصت الآن بتعديل قانون تشجيع الاستثمار والشراكة، وتشريع قوانين "مجلس الإعمار، حل أزمة السكن، الضمان الاجتماعي، من أين لك هذا؟" وأين كانت الامم المتحدة من كل هذا؟، انه التمهيد لصنع بيئة لتدفق رساميل العولمة التي ستصنع القرار السياسي من الحديقة الخلفية للنشاط الاقتصادي، انظر الى القطاع المصرفي الذي تأتمتت عملياته المصرفية تحت اشراف صندوق النقد الدولي دون أن تدخل حيز التطبيق في مرحلة الفوضى والفساد، انظر كيف يتم التمهيد لتطبيقها باشراف المنظمات الدولية، وانظر لتأسيس شركة ضمان الودائع المصرفية التي كنا نطالب بها منذ سنوات من أجل سحب الكتلة النقدية المكتنزة وخلق تنمية اقتصادية! انظر الى حجم المديونية التي كبلت القرار الوطني بموجب شروط البنك والصندوق الدوليين!، وانظر لمن كان يشرف على صناعة موازنات البنود سنويا، والتي كانت تؤسس لضياع المال العام! انها دعوات وأسئلة يمكن من خلال البحث فيها أن نستعيد الوطن.