يمر العراق بفترة زمنية حرجة بدأت بداية الشهر العاشر لهذه السنة 2019 وما زالت مستمرة الى يومنا هذا، تنقلت خلالها مستويات الخطورة درجات أفضت الى استقالة الحكومة استجابة لمطالب المتظاهرين الذين استمروا بالضغط من أجل تأمين مطالب أخرى لا تتوقف عند تنحي الحكومة وتغيير بعض
الوجوه.
والمتظاهرون حسب تركيبتهم فئة من الشباب في مقتبل العمر، ليست قليلة العدد، مدعومين من شرائح أخرى أعطتهم قوة دفع للاستمرار والإصرار على طرح المزيد من المطالب، تقابل آرائهم في الجانب الثاني آراء مضادة وتوجهات لا تتفق وتوجهاتهم في تحديد حاضر البلاد ومستقبلها، وهذا تناقض في الرؤى يعد مسألة طبيعية لا تتوقف عند ساحات التحرير والخلاني وباقي سوح التظاهر في باقي المحافظات العراقية، بل هو كذلك في عموم المجتمعات البشرية.
لكن غير الطبيعي في هذا المجال هو تعدد الرؤى لما يتعلق بأسلوب التعامل مع المتظاهرين، إذ تبيّن الوقائع التي رافقت التظاهر منذ بدايته وجود أكثر من رأي لتحديد الطريقة المناسبة للتعامل، إذ وفي الوقت الذي أظهرت فيه الحكومة ليناً واضحاً وتفهما مقبولاً لبعض المطالب التي عدتها شرعية وقابلة للتحقق، ونادت بعدم استخدام العنف وإعطاء المجال الى الشباب المتظاهر بغية التعبير عن آرائهم وتحمل ردود فعل بعضهم المتسمة بالتطرّف والابتعاد عن السلميّة، ظهرت الى هذا الجانب آراء أخرى من مناشئ أخرى قريبة للحكومة تحاول فرض التشدد وتوجيه الاتهامات ومعها دعوات الى فرض الضبط وإعادة النظام
بالقوة.
إنّه تيار ينادي بفضّ التظاهرات بأي ثمن كان، حاول فضّها لكنّه لم ينجح بعد مجابهته من قبل المتظاهرين بردود فعل عكسية استقطبت المزيد من التأييد لفكرة التظاهر ومدت سوحه بالمزيد من المتظاهرين، وحصلت على تعاطف وتأييد دوليين، لكن هذا التيار يبدو قد عاود المحاولة ليلة السادس على السابع من كانون الأول الحالي بغية تحقيق التماس مع المتظاهرين في ساحتي التحرير والخلاني محدثاً مواجهات استخدمت فيها الأسلحة النارية، وحصلت فيها خسائر بالارواح، الأمر الذي أثار جماعات مسلحة في المقابل، نزلت هي الأخرى الى الساحة بحجة حماية المتظاهرين، فتكون صراع بين هذه الفصائل التي تمتلك خزين سلاح
كبيرا...
صراع وعلى الرغم من محاولة الجيش للتدخل الإيجابي من أجل التقليل من فرص تطوره، بقيَّ صراعاً أيديولوجياً حساساً قد يتطور لمستوى التقاتل، وإذا ما تطور سيجر البلاد الى حرب أهليّة تعيد العراق الى حافات الهاوية التي تكوّنت بعد العام 2005 وربما أشدّ منها لا سمح الله، ولكي لا تنجر البلاد الى هذا، ينبغي التنبه الى الأمر، وينبغي تدخل الحكومة لأخذ زمام القيادة والسيطرة، ومنع الفصائل جميع الفصائل من الاجتهاد، والأهم، احتكار التعامل مع المتظاهرين لأجهزتها الأمنية وتوجيههم للبقاء على الحياد واقتصار جهدهم على حماية المتظاهرين دون استفزازهم.