خواطر لأحداث عراقيَّة ساخنة

آراء 2019/12/13
...

لقمان عبد الرحيم الفيلي
 
دعونا نراجع ما حصل خلال الشهرين الماضيين، ونسأل أنفسنا والآخر عن المتوقع للمقبل، مع فهم معطيات الماضي القريب، أدناه خواطر مرتبطة بثلاثة محاور:
أولا- خواطر سياسية:
* الجماهير، ومن ضمنهم السياسيون، سيركّزون على من هو رئيس الوزراء المقبل (لحكومة استثنائية او طبيعية) لقيادة الحكومة، وما هي أولويات
 الإصلاح والتنمية والاستقرار، ولكن في الحقيقة الحاجة يجب ان تكون في التركيز وتنمية روح الفريق القيادي الجماعي اذا لا يمكن لشخص واحد ان يعالج مشكلاتنا المتعددة 
والمعقدة.
* المجتمع العراقي يحتاج وعلى عجل الى بروز آباء مؤسسين من قاعدته لبناء جمهورية جديدة على أُسس سلميّة قادرة على مواجهة تحدياتها ومعالجتها، فالوقت بحد ذاته سوف لن يعوّض عن هذه الحاجة
 المفصليّة.
* أهم صفات وخصال هؤلاء الآباء المؤسسين هي فهم دقيق لمعاناة المجتمع وكيفية تطويره والايثار في السعي
 للتضحية من اجل ايصال المجتمع الى بر الأمان. 
هؤلاء يجب أن يقودوا من الامام وان يبينوا ويقنعوا أبناءهم من الشعب معالم رؤاهم لهذه الجمهورية الجديدة وكيفية الوصول لتحقيقها 
سويةً.
* إصلاحات الحكومة تسير وفق وتيرة بطيئة، اذ لا توجد خارطة طريق واضحة ومعلنة لمعالجة آفة الفساد، الجميع في حالة انتظار وينتظر الآخر ليقود، واقع غير صحيح
 ومقلق.
* الطبقة السياسية اعترفت أخيراً بالحاجة الى تغيير جوهري في طريقة إدارتها لكي يحافظ قادتها على تأثيرهم ودورهم، الديموقراطية تأتي ببعض النتائج.
* بناء مؤسسات الدولة هو الخيار والحل والمقدمة الوحيدة لبناء الوطن، نحتاج أن لا نقبل بأي تصرّف يخلُّ بذلك ويعتبر ذلك خرقا لأمن البلاد ومن أي طرف 
كان.
* أي مبادرة وطنية سياسية يجب أن تشمل خطة عمل بناء وتقوية الدولة واعادة هيبتها، وإلّا 
فهي مبادرات ضعيفة وفرص ضائعة، والعراق لا يتحمّل بعد ضياعاً في الفرص والوقت والجهد، فدقات الساعة
 لا ترجع.
* السياسيون لا يزالون يعملون على صيغة ذات محصلة صفرية، في حين أنّ الكل يجب أن يتمسّكوا بنهج ربح-ربح، لتكن معالم الحكومة المقبلة مؤشراً إيجابياً في
 هذا الاتجاه.
* الوطنية تتطور كشعار وتحصل على مؤيدين بسرعة، مع ضعف وجود قنوات وآليات واضحة تهيئ لقيادة وإرشاد المجتمع نحو وئام اجتماعي
 وطني.
* بعد التشكيل الكامل للحكومة المقبلة والعمل على إكمال المنظومة الانتخابية سيتم فتح نافذة ديموقراطية جديدة في انتخابات محتملة، طرح برامج بناءة جديدة مع رجالات أكفاء سيعطي مؤشرا إيجابيا اصلاحيا للمجتمع والوفاق الوطني، وإلّا فإنّنا سنرى حالات اختناق وانسدادات سياسية ومجتمعية كثيرة ومتعددة وخصوصاً وان سخط الشارع سيمتص أي اوكسجين متبقٍّ من الهواء الديموقراطي.
* الأطراف العراقية تدرك الآن أنّها تحتاج الى الطرف الآخر، ولكنّها تبقى تتوقع من الآخر التنازل والتغيير، كن واقعيا يا سياسي، فكرامتك من كرامة
 الوطن.
* على جميع الأطراف أن تفهم أن الوضع العراقي مترابط مع الوضع السُوري، فالعراق ليس في جزيرة منعزلة عن جيرانه، والوضع السوري لم ينفرج بعد، هنا ضروري أن لا نرى الحالة السورية من عيون
 أمنيّة فقط. 
* انتهى الوجود العسكري لداعش، وبقي الوجود الفكري والأمني له، ماذا سيأتي بعده؟ غير واضح، سيناريو مخيف، صحيح ولكنه الواقع، نحتاج الى وحدة رؤى السياسيين وفعالية سريعة في حل مشكلة مخيمات النازحين واللاجئين.
* كان من المفترض أن يكون احتلال داعش للأراضي العراقية اخر جرس إنذار للملمة وضعنا السياسي والمجتمعي، آمل ان لا نواجه جرس انذار آخر جديدا لداعش تنتج بطفرة جينات جديدة لكي نصحو.
* القيادات السياسية العراقية تحتاج الى وضع برامج مختلفة ورجالات جديدة في الحكومة المقبلة، هناك حاجة آنية لضخ طاقات جديدة كفوءة ومخلصة ونزيهة وإلّا فإن الإبقاء
 على الوجوه والبرامج نفسها يعني إعطاء نتاجات مشابهة لما شاهدناه خلال العقد والنصف الماضي،
 فلا يمكن للمدخلات نفسها أن تعطيك مخرجات مختلفة، لا تجعلوها فرصةً ضائعة يا أصدقائي
 السياسيين.
* القيادات السياسية والحكومية تحتاج الى أن تتنبّه الى أهمية ادارة التعقيد وتشابك الأمور وترابطها، المطلوب حسن إدارة التعقيد مع ان تبسيط  المشكلات أمر غير الممكن، وإلّا فالبديل فوضى
 في الادارة.
* حددت المؤسسات غير السياسية الرئيسة في البلاد، مثل المرجعية الرشيدة في النجف الاشرف، والتي تملك قدرة كبيرة على التأثير في الجماهير، خصال ومهام برنامج الحكومة الجديدة ورئيس الوزراء الجديد، ولكنّها امتنعت، وهي محقة، في التدخل بشكل مباشر في العملية السياسية حتى لا تقوّض الديموقراطية الوليدة والمؤسسات الدولة الرئيسة في البلاد. 
ثانيا - خواطر اقتصاديَّة:
* الشعب العراقي يبحث في الأساس عن حياة كريمة وبسيطة تحترم فيها كرامته، حكومة تعرف معنى المساءلة، إنّه شعب حي ونابض وصبور وقنوع ويبحث فقط عن مؤشرات
 تقدم.
* الكثير منا يعتقد أننا تجاوزنا أسوأ مراحل التحديات الاقتصادية (نتيجةً عدم توقف الرواتب ومعقولية سعر النفط دولياً)، فرضية خطرة وخاطئة، وتحتاج منا الى تدقيق
 وتصحيح.
* هناك توقعات كبيرة أن تبقى الدولة هي الطرف الوحيد الذي يتحكّم بالإدارة الاقتصادية للسوق العراقية، وعليه ستبقى الدولة محور الاقتصاد لزمن طويل، فدور الحكومات المقبلة محوري في معالجة هذا الاختلال الاقتصادي، ولا مهربَ
من ذلك.
* العراق يحتاج وبسرعة الى تطبيق خطة اقتصادية شاملة لمعالجة مشكلة قلة تنوع ايراداته، وإلّا فالبديل 
ستتحكم به عوامل وأطراف خارج ارادة العراقيين، وهذا خطر على أمنه الاقتصادي 
والوطني.
ثالثا- خواطر اجتماعية:
* العقد الاجتماعي بين المواطن والحكومة من جهة وبين المكونات العراقية من جهة أخرى يتطور دون وضوح ما هو المطلوب في صيغته النهائية؟ ما هو دور الحكومة والأحزاب والمواطن في البناء والتنمية؟ وما هي مسؤولياتهم ومتى تتم محاسبتهم عن الاخفاقات واشادتهم 
على الإنجازات؟ 
* الزيادة السكانية العشوائيّة تؤكد قناعة المعنيين بالتنمية بضعف الهندسة الاجتماعية  في العراق، وتحتاج الى مراجعة مجتمعية آنيّة وليس حكومية فقط. اذ من المتوقع ان يكون تعداد سكان العراق بحدود ٥٠ مليون نسمة بحلول عام ٢٠٣٠م و٨٠ واكثر من مليون نسمة بحلول عام ٢٠٥٠، فأي تخطيط للتنمية سيكون محدودا جداً من دون معالجة هذا التسونامي السكاني.
* هل لعب الإعلام ونخبه وآليات التواصل الاجتماعي وتطبيقاته دوراً إيجابياً في بناء المجتمع، أم أن تسييسه أخلَّ بدوره النبيل وجعله آلة للسيطرة والتمويه لا للترشيد والتهذيب
 والبناء؟ 
* سنبقى نبحث عن إجابة لسؤال، من المسؤول عن ادارة التغيير والإصلاح؟
 لم نحصل بعد على إجابة واضحة، وهذا شيء مقلق،
 أليس كذلك؟
* المسيرة التنموية والثقافية في العراق لا تبشّر بتطور كبير وخصوصاً في الجانب التربوي والتعليمي، وهناك حتمية بعدم قدرتها على انتاج بدائل رشيدة، وعليه فالبقاء على النمط نفسه لا يبشّر بخير وخصوصاً مع استمرار عقارب
 الساعة بالحركة.
وأخيرا نقول: نحتاج أن ننسى أنَّ الزمن سيتوقف من أجلنا، فإلى متى؟ والى أين؟ أسئلة يجب أن لا تَغيب او تُغَّيَّب عن ذهننا. وتستمر عقارب الساعة العراقية بالتقدم، وبدون توقف، رغم سخونة الأحداث... وتستمر دقاتها.. “تك توك، تك توك” فهل
 من معتبر؟.