قبل فوات الأوان

آراء 2019/12/16
...

د. سعد العبيدي
يشكل موقف الشارع العراقي بمواجهة الحكومة معقداً، حسبته الحكومة أو بالأحرى الأحزاب السياسية التي تشكل الحكومة بسيطاً، بل واستهزأت به في البداية حدَّ تصورته ناتج سلوك صبية لا يفقهون بالأمر شيئاً. فزاد التعقيد تدريجياً حتى شعرت الأحزاب بالحرج واحتمال انفلات الحال لفقدان السيطرة على عجلة القيادة، فتنازلت قليلاً بالإيعاز للحكومة بالاستقالة. 
لكن موقف الشارع المعقد المنفعل بتجربة سياسية تقترب من الصفر لا ينتج حلاً فتسبب في اتساع الهوة بينه جانباً وبين الحكومة في الجانب المقابل، وتسبب بوجود مساحات فراغ في الجسد المتظاهر، دخلت منها أحزاب وكتل ومليشيات كل من الاتجاه الذي يراه مناسباً وللغاية التي يراها ملائمة، فزاد التعقيد وابتعدت احتمالات الحل دون خسائر لمستوى الاقتراب من الاستحالة، وصار كل مرشح من رحم السياسة مرفوضا من قبل الشارع حتى وإن كان إماماً، وبالمقابل بقيت الأحزاب الحاكمة على حالها لا تنزع من وسطها أحزمة الاستحواذ على الحكم، ولا تقبل بالخسارة، همها رفض أي مرشح يأتي من خارج دوائرها بحجة انعدام التجربة وقلة المعرفة بالسياسة، فتسببت من جانبها في زيادة التعقيد. 
والتعقيد الذي نتج من تناقض السلوك بين أهل السياسة وأهل الشارع المطالبين بحلول لفشل مخرجات السياسة، لم يتوقف عند مصاعب انتاج حل لأزمة اختيار رئيس وزراء ينفع لاستمرار العملية السياسية بأقل الخسائر الممكنة، بل وبتعقيدات إخراج غول العدوانية وانتاج العنف، فدخول مندسين من هنا وهناك ومن أهل السياسة الى جسد التظاهر والعبث مع الشباب والسعي لإيذائهم ظناً بها وسيلة وحيدة لإيقاف زخم التظاهر خطوة الى انهائه أثار انفعال أهل الشارع، وتسبب في فقدان السيطرة وإنتاج عنف مقابل وصل حدَّ اضطراب العقل الجمعي في مسعاه لمعاقبة أي صوت يظهر نشازاً أو سلوك يبدو مخالفاً قبل التأكد عقلياً من أنه فعلا نشاز أو مخالف، كما حصل مع الطفل هيثم في ساحة 
الوثبة. 
إنّ هذا الوضع الذي وصلت اليه البلاد والتوتر الموجود في ساحة الصراع أي التظاهر، يؤشر وجود خطر على الوطن ذاته الذي بات يتأرجح بين أهل السياسة المصرّين على الاستحواذ وعدم التنازل وبين انفعالات الشارع التي لم يستطع أحد التحكم بمخرجاتها، ولنا في تاريخ العراق الحديث أمثلة كثيرة إذ أن ما حصل للعائلة المالكة عام 1958 مشهد يشهد على فقدان السيطرة على الانفعال الجمعي، ومن بعده أحداث الموصل وكركوك وما جرى فيهما من قتل وسحل وتعذيب في العام 1959 وغيرها من مشاهد تعليق لجثث في الشوارع وقسوة في التعامل مع الخصوم وغيرها أمور تؤكد الاستنتاج الخاص باحتمالات الخطر، وتدفع الى حتمية التفكير خاصة من جانب أهل السياسية بضرورة إنتاج حل يضعون في مجاله أو يقبلون بعض الخسارة، قبل انفلات الزمام ودفعهم المحتوم والشارع والوطن كامل الخسارة.