يستعد الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر، جذريا، بستراتيجية توسيعه، والذي من شأنه أن يخفف، الى حد ما، من حدة الانتقادات التي تصدر من المشككين بالأوروبية والساخطين على تراكم “الفجوات” السياسية والاقتصادية ضمن الاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى، يمكن لدول البلقان، بدورها، والتي أصيبت بخيبة أمل من النتائج المتوقعة لانضمامها الى الاتحاد الأوروبي، إعادة توجيه سياساتها باتجاه تعزيز التعاون مع لاعبين دوليين آخرين، بضمنهم روسيا.
وفقا لمصادر في بروكسل، يخطط الاتحاد الأوروبي لمنح دول البلقان المرشحة نموذجا جديدا لدخول تكامل اقتصادي تدريجي على هيئة “ شراكة مميزة” الذي يحتم استبدال العضوية المؤسسية، ويتوقع تبني هذه الآلية الجديدة من بناء العلاقات مع البلقان خلال الستة أشهر المقبلة، قبيل عقد قمة الاتحاد الأوروبي- البلقان، المقرر عقدها خلال شهر آيار
2020.
نموذج جديد
بدأ تعديل سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي من قبل كل من باريس وكوبنهاغن وأمستردام، ففي القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت خلال شهر تشرين الأول الماضي،، أوقف الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون بدء المباحثات حول منح عضوية الاتحاد لجمهورية مقدونيا الشمالية، بالرغم من ايفائها جميع متطلبات الانضمام الى الاتحاد. في الوقت ذاته، عارض كل من الدنمارك وهولندا المباحثات مع البانيا، وقد أعلن ماكرون أن عملية توسيع الاتحاد الأوروبي ستستمر فقط في حال تغير نموذج التكامل، والذي اعطى دفعا الى المفاوضات الجارية في بروكسل.
وفقا لمركز الأبحاث الدولية الذي تصدره “مبادرة الاستقرار الأوروبي”، ستمنح دول البلقان عضوية “المنطقة الاقتصادية الأوروبية”، بدلا من عضوية الاتحاد الأوروبي، من خلال تشبيهها مع نموذج عضوية النرويج وسويسرا وآيسلندا، وكان رد الدول الأوروبية الفاعلة على هذا المقترح متحفظا، خصوصا ألمانيا التي تراقب عن كثب ما يجري في منطقة البلقان، معتبرة ان تلك المنطقة ذات أولوية. فقد أشارت وزارة الخارجية الألمانية، على نحو غير مباشر، الى إن برلين “منفتحة لمناقشة إصلاحات محددة يمكن أن تسهم بتنظيم عملية التوسيع وتقدم دعما أكبر للبلدان المرشحة ضمن سعيها للانضمام الى الإتحاد”.
لكن يبدو أن قادة دول البلقان أنفسهم، كانوا في صميم الموضوع أكثر، فقد أعلن رئيس جمهورية الجبل الأسود، ميلو جوكانوفيتش، أن: “بعض الدوائر الأوروبية كانت تتطلع لنموذج جديد من المباحثات مع مرشحي الاتحاد”، مضيفا: “ان اللعبة بدأت اثناء قمة سالونيك سنة 2003، عندما حدد الاتحاد، وبوضوح، البرنامج الذي تتمحور حوله سياسة التوسع في عضوية الاتحاد، وبالنسبة للجبل الأسود، فإن هذا المنهاج قد صيغ العام 2012، ولأجل تغيير قواعد اللعبة، بعد مرور سنوات طويلة، لم يكن القيام به صحيحا”.
تعويض عن العضوية
أما نظيره المقدوني الشمالي، الرئيس ستيفو بنداروفسكي، فقد أعلن بأنه خلال المباحثات الأخيرة التي جرت في بروكسل “منحت بلاده تعويضا عن عضوية الاتحاد جاء على شكل المنطقة الاقتصادية الأوروبية”، مضيفا: “لسنا بحاجة لبديل لعضوية الاتحاد، حيث لا صلة لذلك بأوروبا الموحدة أو وطن أوروبي واحد، وشكرا لهم، لا بدائل عن العضوية، حتى وان جاءت بعد 20 عاما”.
عبرت عواصم بلقانية أخرى عن خيبة أملها، فيقول دراغان ديوكانوفيتش، رئيس مركز بلغراد للسياسة الخارجية، “ان الاتحاد تحمل التزامات معينة فيما يتعلق بدول البلقان، وأن تغيير هذا النهج قد يعني ارسالها (البلقان) الى غرفة الانتظار مما سيزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، فضلا عن إن البعض سيبدأ البحث عن بديل في الصين وروسيا وتركيا”.
كتبت منظمة “بروجكت سينديكيت” (The Project Syndicate)، بنسختها الأميركية (منظمة اعلامية دولية غير ربحية تنشر التحليلات والتعليقات حول العديد من القضايا العالمية المهمة) تقول: “منذ سقوط جدار برلين قبل 30 عام، أكد قادة الغرب، وباستمرار، أن لا مشاكل في القارة الأوروبية التي لا يمكن حلها من خلال التفاعل مع الاتحاد الأوروبي أو توسيع المشروع الأوروبي.
لكن، يبدو ان هذا النهج خضع لتغييرات بسبب تنوع المشاكل الداخلية للاتحاد والبرود الأميركي.
أتت التقارير التي تتحدث عن تراجع اهتمام الاتحاد بالبلقان، بوقت يعد حرجا للمنطقة، وعلى وجه التحديد، بعد فوز السياسي الراديكالي البين كورتي، بانتخابات كوسوفو وهو من مناصري فكرة انشاء “ألبانيا العظمى” ليؤجج التوترات في المناطق التي يقطنها الصرب. يشابه هذه المرحلة الدقيقة، هو ما يحدث في البوسنة والهرسك، اذ يحاول الغرب رسم مسارها باتجاه التكامل الأوروبي- الأطلسي. وبسبب تلك الأوضاع، يتوقع حدوث انقسامات ربما أكبر داخل الاتحاد حول قضية البلقان، وبشكل
خاص بين باريس وبرلين، في وقت نشهد ان عواصم البلقان تبدي اهتماما خاصا بمشاريع تكاملية بديلة، من بينها مشاركة روسيا والصين وقوى عالمية أخرى.