امرأة تحفز طاقات أراضي بوتسوانا الزراعية

بانوراما 2019/12/21
...

نيك دال

ترجمة: بهاء سلمان
حلم "موكودي سيسا" طويلا بالتوسع في أعمال البستنة المروية لحقله البالغة مساحته اربعين هكتارا بالقرب من شوشونغ في بوتسوانا. أحلامه تحوّلت بسرعة الى واقع عندما استعان العام الماضي بخدمات شركة تقنيات البيوت الزجاجية التي تملكها "أماندا أمينة مسير". قامت مسير بمساعدة سيسا على كتابة خطة لعمل تجاري يؤمن تسلمها منحة حكومية بقيمة تصل الى 18 ألف دولار، وجهزته بالمعدات اللازمة عن دراية تامة بما تفعل. 
وبعد سنة تقريبا، سوّق سيسا محاصيل السبانغ واللفت والطماطم والشمندر والفلفل الأخضر الى الأسواق المحلية. وبسبب حالة شح المياه غير المتوقعة، هلك القسم الأعظم من محصول الملفوف. يقول سيسا: "أنا أوصي بتوظيف السيدة مسير لأي شخص، فهي تعرف ما تؤديه معداتها".
أسست مسير، 41 عاما، شركتها سنة 2011 بعد تدقيقها لميزانيتها المالية؛ فاتضح لديها أن القطاع الزراعي يمثل أفضل استثمار للمال: "كان هناك الكثير جدا من الحوافز التي لا أحد ينتفع منها." وبدلا من توجهها لأعمال الزراعة بنفسها، فهي لا تطيق شمس بوتسوانا الكاوية، انطلقت بجهدها نحو تقليص الفجوة بين المزارعين والحكومة بشركة وفرت كل شيء، من المشورة الى بذور الخيار. وما بين العامين 2013 و2018، ساعد حل "البستنة داخل صندوق" لشركة تقنيات البيوت الزجاجية 430 مواطنا للعمل كمزارعين؛ فتقلّص اعتماد البلاد على استيراد الفواكه والخضراوات بقيمة ما تنتجه 2100 هكتار من أرض خصبة. لدى مسير ميزتان تسريان بدمها: الاولى: الزراعة وتربية الدواجن والثانية: تعهدات الأعمال، إذ ان أجدادها كانوا يشتغلون بالأعمال التجارية. وفي أيام دراستها بكلية المعلّمين، تتذكر تخزينها لجزء من كمية الحليب الطويل الأمد التي تعطى لها يوميا، فوفر بيعها للحليب مصرف جيب دائما لها، حتى مع شكوى رفيقتها في السكن من العيش داخل مستودع للبضائع.
تواصل الاصرار
لاحقا، عززت راتبها من العمل كمعلّمة بتأجير هواتف خلوية لعامة الناس. ثم استفادت من انموذج مالي حكومي لشراء مبنى روضتها الخاصة المتألف من عدد من الشقق، وعندما باعته بعد اربع سنين، تضاعف رصيدها المالي، "ليس لأنني سيدة أعمال بذكاء خارق، بل لأن العقار يمثل دوما استثمارا صلبا،" تقول مسير.
ظن أهلها واصدقاؤها بارتكابها لحماقة حينما باعت المبنى، لكنها لم تعيرهم أي أهتمام: "الناس لا يرغبون بالتغيير، لكنني أحب ذلك، فالرتابة ليست بالأمر الحسن للعقل، علاوة على امتلاكي لخطة جديدة: تأسيس شركة تقنيات البيوت 
الزجاجية." وباقرارها بمعرفتها البسيطة حول زراعة الخضراوات، كانت خطوة مسير الأولى توظيف متخصص بعلم البستنة ومتخصص بالري، وكان بوسعها فقط دفع الراتب الأساس لخريج جامعة لمن توظفهم، لكنها حثتهم على "بذل ما يتمكنون منه لتطوير قدراتهم وتحقيق انجاز ينسب اليهم."
وكان هذا ما فعلوه تماما، فمن خلال مساعدة المزارعين الطموحين بخطط للمحاصيل الزراعية واختبارات التربة واحتساب الغلة الزراعية، تمكّنت مسير من الحصول على أموال حكومية طائلة كمنح، بالوقت نفسه الذي أسهمت فيه بشكل هائل بازدهار بوتسوانا وتعزيز حالة الاكتفاء الذاتي لمجتمعها. 
جذب نجاح مسير وبعض الزبائن الفرحين بانجازاتهم انتباه وزارة الزراعة، التي اتفقت لإقامة مشروع شراكة مع هذه المرأة النشطة لاقامة دورات تدريبية في موقع الشركة قرب العاصمة غابورون. الحقل مجهز بمتطلبات التدريب، وأعماله على وشك النهاية، وتتهيأ مسير وفريقها للبدء بأول دورة لمحاضرات تتعلق البستنة بدعم حكومي، أمدها خمسة أيام.
 
أهداف عليا
وتأتي هذه الخطوة ضمن حملة واسعة تشمل بوتسوانا بأسرها لتحقيق الاستقلال الغذائي. وهناك مبادرات أخرى في هذه البلاد الغنية الأرض والقليلة الموارد المائية توفير معامل معالجة مياه الصرف الصحي وحملة زراعة المحاصيل الممكن انتاجها داخل البلاد بغية عدم استيرادها مستقبلا. وقفزت نسبة الغذاء المنتج محليا من عشرين بالمئة في موسم 2013 - 2014 الى ستين بالمئة لموسم 2017 - 2018، بحسب بيانات وزارة الزراعة.
لكن الطريق لا يزال طويلا، فيقول غاليتسوي راموكاباني، مدير انتاج المحاصيل بوزراة الزراعة، خلال اجتماع عقد مؤخرا لمناقشة الواقع الزراعي لبوتسوانا: "لا يمكننا انتاج ما يكفي لأننا نمتلك بدائل، مع اعتمادنا على دولة جنوب 
أفريقيا".
وترى مسير أن طلبها تعليم البوتسوانيين الممارسات الزراعية الحديثة ليس بالأمر الهيّن، وتوضح قائلة: "كما يوحي اسم شركتي، شرعت برغبتي بيع منتجات البيوت الزجاجية." الا أن مبيعاتها الكبرى طيلة ثماني سنوات كانت معدات الارواء بالتنقيط وقماش الظلال. تقول مسير: "تقنيات البيوت الزجاجية هي بمثابة 
(رولز رويس) البستنة، لكن بوتسوانا لا تزال تقود سيارات تويوتا، وأنا لم أجعل اختيار البلاد يقودني، بل بدأت مباشرة في المنطقة التي ينتهي عندها تفكير العقل."
لدى مسير عزم على البقاء متقدمة ببضع خطوات عن المتنافسين الآخرين في ميدانها، فقد أوجزت خلال دقيقتين التعريف بخططها الخاصة لتربية النحل والماشية و الأسماك وتوسيع شبكة الانترنت، اضافة لاجراء تلقيحات بواسطة طائرات الدرون. كما تخطط لنقل أنموذجها الى دول افريقية أخرى: "ربما أنا اتصدر السباق، لكنني ما زلت أركض وكأنني اقبع بالمركز الأخير."
وتؤكد مسير أنها لا تبحث عن مجد شخصي من خلال أعمالها لتطوير البلاد، فاهتمامها يتركز على تحويل البطالة الى توظيف ذاتي، "ولن أتوقف عن محاولاتي إلى ان أرى بوتسوانا وهي تصدر الخضراوات." 
مجلة اوزي الاميركية