أحزاب الفراغ الدستوري

آراء 2019/12/24
...

نوزاد حسن 
 أول أمس في الساعة الثانية عشرة مساء دخل العراق فيما يسمى في السياسة بالفراغ الدستوري. الفضائيات كانت تعد الدقائق والثواني حتى منتصف الليل لتعلن اننا دخلنا في ذلك المكان الغامض الغريب وكأننا دخلنا في فضاء سنة جديدة.
   في الواقع كان الاهتمام منصبا على عقارب الثواني التي كانت تقترب بهدوء من لحظة الفراغ الذي يعني ان الاحزاب السياسية فشلت في اختيار رئيس وزراء جديد خلفا لعبد المهدي. وهذا يعني ان حكومة تصريف الاعمال ستظل تدير التزامات يومية محددة كما هو معروف.
 لكن ما الذي جعلني اشعر وانا استمع لنشرات الاخبار بان خطيئة من العيار الثقيل وقعت على رؤوسنا نحن الشعب المسكين لاننا دخلنا الى ذلك فراغ لم استطع كمتابع من تحليل ملامحه. كل ما يشغلني هو حلم تقريب المسافة بين الشعب الذي يعتصم في الساحات وبين وجهات نظر السياسيين. وحتى هذه اللحظة يبدو المشهد على انه صراع خفي بين ارادتين لا تتنازل احداهما للاخرى. الاحزاب تريد تقديم مرشح من وسط العملية السياسية، والمتظاهرون يصرون على وضع شروط واضحة متفق عليها لرئيس الوزراء المقبل. وبين وجهتي النظر هاتين انزلق القطار بنا الى فراغ قد يدوم وقتا اطول.
  لكن دعوني اطرح تساؤلا تركناه خلف ظهورنا مفاده ان العملية السياسية سارت منذ العام 2003 في طريق خاص بها لا يختلف كثيرا عن مرحلة الفراغ التي نمر بها الان. ذلك لان ما حدث من اخطاء، وتمسك بالمحاصصة، وعمليات فساد كبيرة لم تفتح ملفاتها بصورة جدية، كل هذا انتهى بنا الى هذا الحراك السلمي الذي بدأ في تشرين وما يزال. ومن المؤسف ان الاحزاب التي عملت في السياسة لم تقدر كثيرا حكمة الماضي الداعية الى الى اقامة العدل بين البشر. ما وقعت فيه هذه الطبقة السياسية هي انها فصلت نفسها عن دروس التاريخ المتنوعة، واهملت روح الحق، وسارت بعيدا في سفينة المحاصصة وتقسيم المناصب. ولم ينتبه هذا الحزب او ذاك الى ان ما تزرعه تحصده. وما تعتني به وترعاه يعود اليك فضله فيما بعد اضعافا مضاعفة. لقد تجاهلت القوى السياسية مأثور التاريخ الاخلاقي، والتحذير من مغريات المنصب. وبقينا ننتظر ان تعطينا شجرة الديمقراطية ثمرا طيب الطعم. وكانت الخاتمة في انتخابات 2018 وما تبعها من حرق لصناديق الاقتراع في الرصافة. هذه الرحلة المعقدة بكل شوائبها وضعتنا في زاوية جديدة لمواجهة الاخطاء كلها. وكان احد اهم نتائج حركة الاحتجاج هو حزمة القوانين التي يسعى البرلمان لاقرارها دون ان تكون هناك نتائج ملموسة بهذا الاتجاه. كما ان البحث عن رئيس وزراء جديد وكل هذا الشد والجذب في اختياره يدل على ان الواقع السياسي تغير نحو الافضل. لذا يمكنني القول اننا نتاج مرحلة سياسية غامضة مليئة بحكايات الفساد غير المكتشف. وهنا وجدنا انفسنا في مفترق طريق قادنا الى الاعتصام، وقاد الاحزاب السياسية الى فراغها الدستوري الذي صنعته بايديها. وفرق كبير بين اجواء التحرير بكل ما يدور فيها وبين عالم الفراغ الذي تغيب فيه ملامح الاشياء.