ديمقراطية التغيير

آراء 2019/12/25
...

يعقوب يوسف جبر 
 
الديمقراطية مصطلح سياسي معناه باختصار حصر مقاليد الحكم بيد الشعب، على نقيض الديكتاتورية التي تعني هيمنة حزب أو أحزاب مصغرة على مقاليد الحكم السياسي، لذلك قال كارل بوبر الفيلسوف الانجليزي "الديمقراطية ليست أكثر من وسيلة لتجنب الطغيان لا أكثر ولا أقل"، لذلك ظهرت الديمقراطية كتعبير منطقي عن إرادة الشعب بجميع قطاعاته لضمان تأسيس نظام دولة يرتكز على تحقيق العدالة الاجتماعية، واستبعاد أية طبقة مستبدة من الهيمنة على سلطات الدولة. 
ومن أبرز وسائل الديمقراطية هي وسيلة التغيير المتنامي الإيجابي وليس التغيير السلبي، فوفق التغيير الإيجابي المرحلي يتمكن جمهور الشعب من تغيير ممثليه عبر انتخابات نزيهة وفاعلة، بهدف معالجة الأخطاء السياسية التي تشهدها كل مرحلة، وبمرور الوقت تنشأ الثقافة الديمقراطية وينمو الوعي السياسي لدى الرأي العام، وهذا يذكرنا بمقولة الفيلسوف الفرنسي جان روسو (رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب، بل في وعي الناس)، إذن الوعي الجماهيري السياسي الرصين من مستلزمات نجاح النظام الديمقراطي فنتيجة لذلك شهدت دول عديدة تقدما وازدهارا سياسيا في تطبيق الديمقراطية وآلياتها، لتكون في مصاف الدول المتمدنة في العالم.
إن من أهم مميزات النظام الديمقراطي الرصين هو تبني ستراتيجية التغيير نحو الأفضل وليس العكس، ففي تجربة ما بعد 2003 وحتى يومنا الراهن، لم تتبلور ستراتيجية التغيير الحقيقية، إذ شهد العراق تجربة ديمقراطية هشة، لم تحقق طموحات جمهور الشعب المشروعة، ولم تتم مراجعة الخلل في البناء الديمقراطي من قبل ممثلي الشعب؛ خلال دورات مجلس النواب المتعاقبة، لذلك من المفترض أن يتجه الرأي العام إلى تبني ستراتيجية تغيير فاعلة، من خلال التوجه إلى إجراء انتخابات جديدة، لإفراز ممثلين جدد من المؤهلين لخوض غمار تجربة ديمقراطية برلمانية مغايرة؛ للتجارب السابقة التي لم تنجح مطلقا في إنتاج دولة متمدنة.
أما لو افترضنا أن الانتخابات الجديدة ستكون وسيلة تغيير سلبي فلا قيمة لها، مادامت مجرد آليّة لتكرار التجارب السابقة، من هنا تبدو الحاجة ماسّة لإجراء انتخابات ذات تغيير إيجابي بإفساح المجال لمرشحين من ذوي الإمكانيات العالية والكفاية والنزاهة والوطنية، لتحقيق طموحات الجماهير التي تنشد التغيير الذي يحقق طموحاتها المشروعة.
ولن تتوقف الديمقراطية عند حدود تشكيل البرلمان والحكومة بل هي مشاريع وخطط عمل واسعة النطاق، تتضمن النهوض بمختلف القطاعات، منها القطاع الاقتصادي بضمان الدخل المعيشي المناسب لكل مواطن، ومكافحة التمييز الطبقي وممارساته السلبية، كما أن الديمقراطية الحقيقية تعني تهيئة فرص التعليم لكل المواطنين دون استثناء، وتشييد أرقى البنى التحتية لتضاهي البنى التحتية للدول المتقدمة.
هكذا تبدو الديمقراطية في أسمى صورها لو تم تطبيقها بالشكل المنطقي، لكن عندما تتحول الديمقراطية إلى وسيلة لتحقيق مصالح فئوية أو شخصية أو حزبية فهي ديمقراطية عقيمة، ستنشأ بسببها الصراعات السياسية المفضية إلى تمزق النسيج الاجتماعي وهدر الطاقات والموارد بمختلف أصنافها.