الاعتداء على الرأي العام

آراء 2019/12/25
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
في ظل أدوات العولمة الثقافية وجيوشها الألكترونية، يتأثر الرأي العام بالاعلام المغرض والحرب النفسية. 
اذ يرتبك ويتداعى لما يقال ويشاع في أجواء الفوضى، وفي أحيان كثيرة لا يستطيع أن يصل الى الحقيقة، جراء تنوع التفسيرات والهذيانات بشأن حدث ما، أو تعدد المشاهد المتناقضة في الظاهرة الواحدة
، وأحيانا يتلقى الشائعة بوصفها معطى لا نقيض له، تحت تأثير التراخي في رغبة التلقي وسايكولوجية الادمان، وقد يصاب بالصدمة جراء هذا الارباك فيتعرض لزوال الذاكرة بحلول ذاكرة جديدة مزيفة تحت تأثير
 التكرار. 
وثمة أسلوب آخر تعتمده الجهات المشتغلة على مناقلة الرأي العام صوب أهداف تريد تحقيقها، يعتمد وقوع الحدث في البيئة المجتمعية وتكرار حدوثه في ذات الطريقة أو بكيفيات متشابهة بالوسائل والأدوات نفسها في أوقات متتالية أو متعاقبة، فيشاع القلق والخوف من هول خبر بشع أو تأثير حدث مروع مكرور، وصولا للقبول بمعالجات تستهدف أدوات وقوع الحدث وتكراره، دون المرور على غايات 
صناعته. 
ومن هنا، يمكن أن نستشف غاية المتحكمين في ادارة الأحداث وصناعة الأزمات، من سلسلة الأحداث المتشابهة، وتكرار حدوثها في الطريقة والوسائل، بما يخدم تغيير مسار الرؤية نحو هدف جديد، وقد لا نتمكن من تحديد توقيتات الوصول الى الهدف، بحسب المتغيرات التي تفرضها حركة المشهد على ستراتيجية صناعته، ولكننا قد نكون قادرين على تجميع ملامحه، من خلال متابعة مسارات التكرار والأحداث، سواء كانت هذه الأحداث متشابهة أو متباينة، ولنتابع تكرار أحداث العنف القائمة على بشاعة استخدام اسلوب الطعن بالسكاكين التي راحت ترافق الاحتجاجات خلال كانون أول الحالي، والتي أعادت تداولها وسائل اعلام محلية واجنبية، فضلا عن الصفحات المستحدثة على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لقراءة احتمالات ما ستفضي اليه، بعد أن باتت الأحداث تتحرك وفق اسلوب ادارة 
واضحة.  
ففي الخامس من كانون أول الحالي انفردت صحيفة "العربي الجديد" اللندنية بنقل خبر اعتداءات بالطعن على نحو سبعة عشر متظاهرا على أيدي ملثمين. ودون التشكيك بصدقية الخبر، فان بشاعة الجرم تركت أثرا رافضا لهذا الفعل الاجرامي لدى الرأي العام، وتكرس هذا الرفض بتكرار نشر الخبر، وفي السابع منه نقل عن أكثر من مصدر أمني ان المصور الصحفي أحمد المهنا قتل طعنا بآلة حادة في ساحة الخلاني، وبشاعة الجرم هنا تستحضر وبالضرورة الحدث الأول. وفي الثاني عشر منه أيضا، كشف عن مشاركة امرأة في جريمة اغتيال الطفل هيثم اسماعيل في ساحة الخلاني بسكين، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة المرأة لحظة شروعها بجريمة طعن الشاب، وفي التاسع عشر، أفاد مصدر أمني، بإصابة شخص اثر تعرضه للطعن بالسكاكين في منطقة الباب الشرقي وسط بغداد بحسب "السومرية 
نيوز".
وعلى الرغم من تعدد الجرائم، التي استخدمت فيها أدوات قتل أخرى، والتي تؤسس لرأي عام رافض لحيازة السلاح خارج سلطة الدولة، وضاغط على الحكومة المقبلة باتجاه تطبيق القوانين التي شرعتها البرلمانات السابقة التي تحصر السلاح بيد الدولة
، الا ان بشاعة الجرائم التي أشرنا اليها، باتت تؤسس لرأي عام داعم لتطبيق قانون الأسلحة رقم 51 لسنة 2017، بحيث لا يستثني ولا يتراخى بشأن النصوص الخاصة بحيازة حتى الآلات الحادة، وبهذا سيكون التأسيس لبيئة آمنة لتدفق رساميل العولمة بالتزامن مع تطبيق قانون الشركات الأمنية الخاصة رقم 52 لسنة 2017، الذي سيمنح شركات العولمة الأمنية مساحة كبيرة في ادارة الشأن الأمني، واللافت ان هذا القانون شرع بعد بضعة أيام من تشريع قانون 51 ، فيما شرع هذا الأخير بعد سبعين يوما من تشريع قانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016 والذي سيجيز بموجب صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، اعادة هيكلة الفصائل المسلحة مع المنظومة العسكرية، وبذلك تتحقق البيئة الآمنة لتدفق الرساميل، ويتحقق الهدف الأهم بشأن الصراع الرامي لازالة الارادة الأقليمية لصالح الارادة الدولية.