المحاصصة وجدار برلين

آراء 2019/12/27
...

عباس الصباغ 
 
حتى 1989 لم يكنْ أيُ أحدٍ يتوقع أنْ ينهار جدار برلين الذي أنشئ في العام 1961 من أجل تقسيم ألمانيا الى أربعة أقسام وبحسب مزاج القوى التي تعاضدت من أجل إسقاط هتلر، فقد كان هذا الجدار يمثل ايقونة التقسيم والتجزئة ولعقود من الزمن شغلت فترة الحرب الباردة ونتيجة للإرهاصات التي رافقت تلك الحرب والضغوط النفسية التي كانت تقف وراءها الماكنة الإعلامية لم يكن أحد يتوقع أنْ يُحوّل هذا الجدار العملاق والاسطوري الى أطلال تذروها رياح التغيير.
وعلى غرار جدار برلين ومن نسق هذه الاستعارة فإنَّ أغلب العراقيين يراودهم الحلم نفسه في رؤية جدار المحاصصة وهو يتحول الى أنقاضٍ، وهو جدار شيّده التأسيس الدولتي الخاطئ غداة التغيير النيساني المزلزل، وهو جدار عازل ما بين الجماهير وبين طموحها في رؤية عملية سياسية نظيفة تقود وبحكم رشيد دولة عصرية ومدنية عابرة لكل أشكال المحاصصة المكرسة للتخندقات الاثنية والقومية والمذهبية والمناطقية والمشتِّتة للفسيفساء العراقية بألوانها الجميلة، ولكنَّ أحلامهم ظلت بعيدة التحقق والانتقال الى حقيقة ملموسة ولأكثر من 16 سنة ذاق فيها العراقيون الأمرّين، وبعد أنْ ضاعت منهم الكثير من فرص التقدم والازدهار والمضي نحو تحقيق تنمية مستدامة والعيش الكريم بما يحفظ كرامة المواطن بما يليق به وهذا استحقاقه الطبيعي شأنه شأن مواطني الدول الغنية بثرواتها وهو لا يقل عنهم من حيث العلم والمعرفة ورسم خارطة المستقبل لبلد عانى من ويلات الحروب والإرهاب والتخلف والفساد بعد عام التغيير في 2003.
المحاصصة العراقية التي تأسست مع تشكيل مجلس الحكم الذي كان الأساس الأول الذي بنيت عليه كل التشكيلات الحكومية في ما بعد، أسهمت عملياً في تجذير أسس التحاصص السياسي وحسب مبدأ (هذا لك وهذا لي) وضمن نظرية الاستحقاق الانتخابي والمظلومية التاريخية، فقد أريد للمحاصصة أنْ تكون وصفة جاهزة لاستيعاب تناقضات وتعرّجات المجتمع العراقي والحدّ من التصادم في ما بينها وذلك في وقت كانت العملية السياسية في مراحلها الجنينية البكر، وكانت بحاجة ماسة الى التماسك والتآلف وعدم التفريط بمنجزات التغيير النيساني، فقد كانت الخشية من الانزلاق نحو هاوية التفتيت المجتمعي قائمة فصارت حجّة بيد مهندسي العملية السياسية بصيغتها التحاصصية/  التشاركية آنذاك والى الآن، مع ذلك كانت ولما تزل المحاصصة سلاحاً ذا حدين ولم تسهم في حدودها الدنيا من الحيلولة دون وصول البلاد الى حافة الحرب الأهلية المدمرة ـ لا سمح الله ـ 
وكما حدث سنة 2006 من حدوث فتنة طائفيَّة غداة تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، بل ساعدت على إذكاء نار الفتنة بين شرائح النسيج المجتمعي العراقي، كما أنها لم تنجح في استيعاب التصدعات المجتمعيَّة، بل إنها أسهمت في تصدّع 
الجبهة.