يمكننا القول إنَّ أبرز أحداث عام 2019 هي انتفاضة تشرين الأول التي رفعت الكثير من الحواجز ووضعت الكثير من النقاط على حروف العمليَّة السياسيَّة في العراق، هذه العمليَّة التي ظلت لسنوات طويلة ودورات انتخابيَّة عديدة تخضع لتوافقات بعيدة جداً عن رغبة الشارع العراقي الذي كان يتمنى أنْ تكون هناك رؤية جديدة تنتشل العراق من واقعه المرير.
لهذا عندما نعيد شريط أحداث عام يلفظ أنفاسه الأخيرة لن نجد حدثاً بارزاً سوى هذه الوثبة والانتفاضة العراقيَّة ذات الطابع السلمي والتي تجلت فيها روحيَّة العراقي ورغبته في التغيير بالطرق السلميَّة عبر تظاهرات عمت أغلب المدن العراقيَّة. وحظيت بتأييد ومباركة المرجعيَّة الدينيَّة والتي تعد الداعم الأول للشعب العراقي.
ولعلَّ ما يميز تظاهرات الشباب العراقي إنها تمكنت من أنْ تتفوق إعلامياً على مئات القنوات الفضائيَّة والجيوش الالكترونيَّة التي كرست ساعات يوميَّة لتبييض وجه الأحزاب والفاسدين لكنها فشلت في ذلك بمجرد أنْ رفع الشباب العراقي صوته بوجه الفاسدين.
والأهم إننا وجدنا جيلاً عراقياً قادراً على تحريك الشارع من دون انتظار إشارة من أي طرف أو حزب، وهذا بحد ذاته يمثل تحولاً كبيراً في الرأي العام العراقي الذي وجدنا أنه تمكن من أنْ يشكل قوة ضغط شعبيَّة على الحكومة التي حاولت امتصاص النقمة وتجاوز أزمتها هذه عبر مجموعة قوانين ووعودٍ لم تكن ملبية لطموحات الجماهير بما في ذلك استقالة رئيس الوزراء والسعي لتشكيل حكومة جديدة.
كان البعض يعتقد أنَّ استقالة الحكومة قد تنهي التظاهرات أو تخفف من حدتها، لكننا وجدنا أنَّ الأمر لم يكن كما تصوروا؛ لأنَّ ما طرح من أسماء بديلة لشغل المنصب الأول في العراق لم تكن تختلف عن سابقاتها، ما أدى لرفض هذه الأسماء، وهذا ما يعني أنَّ ضغط الشارع العراقي بات هو القوة الكبيرة التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها بأي شكلٍ من الأشكال.
وكما أشرنا فإنَّ المرجعيَّة الدينيَّة الرشيدة والتي تنظر عن كثب للأحداث وجدت أنَّ الحل الأمثل يكمن في إجراء انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي عادل يضمن تمثيلاً حقيقياً للشعب العراقي بعيداً عن القوانين السابقة التي ظلت تخدم الأحزاب الكبيرة. وهذه الدعوة تتناسب كلياً مع رغبة الشارع العراقي الذي وجد أنَّ ما موجود حالياً من سلطة تشريعيَّة لا يمكن لها أنْ تفرز حكومة تتناسب ورغبة الشارع العراقي، خصوصاً أنَّ القوى السياسيَّة تدور حول نفسها ولا يمكن لها أنْ تنتج حكومة بعيدة عن نظام المحاصصة والشراكة التي اعتادت
عليها.
الانتفاضة العراقيَّة والتي ستتواصل مع قرب العام الجديد تؤكد أنها علامة مضيئة في مسيرة الشعب العراقي الذي يستحق أنْ يعيش بحريَّة وكرامة وأنْ تكون أموال الشعب العراقي مسخرة للتنمية والبناء بعيداً عن الفاسدين الذين أهدروا مئات المليارات في مشاريع الكثير منها على الورق
فقط.