عقائد ومصالح

آراء 2019/12/28
...

عبدالامير المجر 
 
لحين سقوط الاتحاد السوفيتي نهايَّة العام 1991، ظلت بريطانيا، ترى أنَّ العقيدة الشيوعيَّة وشعار الاشتراكيَّة، مجرد قناع لتحقيق حلم الروس في امبراطوريَّة عالميَّة! ربما يعود هذا الرأي الى ثقافة استعماريَّة مشوّهة، ولدت من رحم التغوّل الرأسمالي.
فالاستعمار، في دلالته اللغويَّة، فعلٌ إنسانيٌّ، وضروري أيضاً للتكامل الحضاري العالمي، لكنَّ المستعمرين استبطنوا رغبة في الهيمنة على الشعوب من خلاله وسرقة ثرواتها، وإنْ أيقظوا الخاملة منها وحفزوها على النهوض.. بريطانيا نجحت في مسعاها هذا، حتى وصفت بالامبراطوريَّة التي لا تغيب عنها الشمس. ولأنها و بالأدق، لأنَّ ساستها الرأسماليين، معادون للاشتراكيَّة، ومنغمسون في ثقافة الهيمنة والتوسع، لذا لا يستطيعون، أنْ يروا الشيوعيَّة أو غيرها إلا بمنظارهم الخاص، وهو ما قادهم الى الاستنتاج المشار إليه، بشأن روسيا وامبراطوريتها
 العالميَّة!
كثيرة هي الدول التي رفعت شعار، مناصرة القضيَّة الفلسطينيَّة، ودخلت في مناكفات إعلاميَّة مع الغرب وأميركا، تحته، سواء في مؤتمرات الدول الإسلاميَّة، أو عدم الانحياز وغيرها، لكنها في الحقيقة كانت تبتغي الاقتراب من المزاج العربي لتحقيق مصالح اقتصاديَّة، لا سيما أنَّ البلدان العربيَّة، تمثل سوقاً كبيرة، ومجالاً اقتصادياً واسعاً، يستوعب الكثير من المشاريع المختلفة.. بعد أنْ تداعت الأمور منذ
 العام 2010.
ودخلت دول عربيَّة عديدة، بالتتابع، في نفق (الربيع العربي) المظلم، صار إنقاذ هذه الدول من (أنظمتها المستبدة)، شعاراً جديداً، رفعته الدول نفسها وغيرها، لتحقيق مصالحها، من خلال الاقتراب من المزاج الأميركي، والنفوذ بواسطته الى تلك المصالح بعد أنْ يتم ما مرسوم لتلك البلدان من (تحرير) وبدء (عمليات سياسيَّة) تعكس شراكة المنتصرين، وتؤبد وجودهم بواسطة من يمثلهم فيها، باسم التعدديَّة والديمقراطيَّة! 
العقد الأخير، الذي عشنا خلاله تراجيديانا المرعبة، شهدنا في بعض تداعياتها، مواجهة سياسيَّة بين أميركا وحليفتها تركيا، بشأن ملفات خلافيَّة، أيقظتها نزعة التغالب والمشاريع المتناشزة بين الطرفين، في المنطقة، بدأت مع الدعم الأميركي للكرد السوريين، إذ قرأته تركيا على أنَّه تهديد لأمنها القومي، وحصل بينها وبين إدارة أوباما، حينذاك، ما حصل من مواقف وتوترات، حتى انتهت في الأسابيع الأخيرة الى تفاهمات، أوصلت الطرفين الى حل، تمثّل بتدخل عسكري تركي مباشر، في سوريا لملاحقة، صنيعة أميركا، عناصر ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطيَّة، داخل الأراضي
 السوريَّة.. 
واضحٌ بالنسبة لنا إنَّ تركيا الاخوانيَّة، كانت متدخلة بشكلٍ كبيرٍ في سوريا، من خلال دعمها بعض الجماعات المسلحة الموالية لها، قبل أنْ يفشل مشروع إسقاط النظام في سوريا، إثر تدخل الروس، وصمود السوريين، بعد انكشاف المخطط الخطير، الذي كاد يدخل بلادهم في فوضى دمويَّة طويلة، وهذا يوضح بشكل جلي أنَّ التدخل التركي، كما التدخلات الدوليَّة والإقليميَّة الأخرى في سوريا وغيرها، لم يكن بدوافع عقائديَّة أو إنسانيَّة، كما تقول الشعارات التي يحدثنا عنها الإعلام الموجه، وإنما لمصالح قوميَّة، ولعله بات واضحاً اليوم، أكثر من أي وقت مضى.
التدخل التركي الأخير في ليبيا، والمتمثل بدعم فصائل مسلحة قريبة من حكومة الوفاق، يؤكد القديم الجديد الذي تحدثنا عنه، أي إنَّ الدول تبحث عن مصالحها، وإنْ تخفّت وراء عقائدها، وهذا أصبح واضحاً من خلال اتفاق أردوغان مع حكومة الوفاق برئاسة السراج، على استثمار الطاقة في البحر المتوسط لمسافة كبيرة. 
الأمر الذي استفز دولاً أخرى متشاطئة أو طامعة!.. في العموم لم تكن تركيا وحدها من فعلت ذلك، بل هناك دول إقليميَّة عديدة دخلت اللعبة أو أدخلت إليها بشكل أو بآخر، ليجد الجميع أنفسهم يحاربون الجميع، وان الهدف الذي ظل مخفياً، هو مصالح الدول أو الحكومات، لكنَّ البعض من العرب، الذين لم يعرفوا حتى اليوم كيفيَّة تحقيق مصالحهم، لا يريدون أن يصدقوا أنهم
 لا يعرفون!