هاييتي تنظر للماضي نحو بطل تحريرها

بانوراما 2019/12/28
...

بيتر بومونت
ترجمة: خالد قاسم
بينما تعاني هاييتي من النزاعات ويزداد الغضب بسبب الفضائح السياسية، يستنجد السكان بمؤسس بلادهم بعد أكثر من 200 سنة على اغتياله. ويمكن ايجاد صورة محفورة على جدران العاصمة بورت أو برنس لشخص يرتدي قبعة من عهد نابليون ومعطفا حربيا، وظهرت الصورة وسط الأزمة السياسية والأمنية طويلة الأمد منذ العام الماضي. الشخص هو جان جاك ديسالين (الإمبراطور جاك الأول لهاييتي) الجنرال الثائر الذي دحر القوات الفرنسية بمعركة فيرتيير ليؤسس دولة هاييتي عام 1804. 
ولا يقتصر الأمر على اللوحات الجدارية لرؤية ارث ديسالين طيلة الأشهر الماضية من الاضطراب السياسي الذي اجتاح البلاد.
ارتدى الهاييتيون ملابس ديسالين بالمظاهرات الواسعة المتقطعة خلال العام الحالي ضد حكومة الرئيس جوفينيل مويس، بسبب ادعاءات فضيحة فساد بمليارات الدولارات، ومنها مظاهرات 17 تشرين الأول المتزامنة مع اليوم الوطني للذكرى السنوية لاغتيال ديسالين سنة 1806.
شهدت تلك الذكرى اجبار الرئيس على إحياء المناسبة سرا بالمتحف الوطني بعد اغلاق مئات رجال الشرطة المسلحين المنطقة المحيطة به، وطالب المحتجون باستقالته وتجمعوا قرب المكان. 
لكن أكثر ما يستحضر روح ديسالين هي الحوارات الوطنية حول الأزمة المستمرة. فالنقاشات اللامنتهية والساخنة أحيانا بمحطات الإذاعة والتلفزيون المحلية مهتمة بنموذج ديسالين المثالي، وهي فكرة تحن الى الماضي عن المسار المختلف الذي كانت ستسلكه البلاد ما عدا اغتياله.
الواقع هو أن استعادة ذكريات ديسالين تتحدث عن المصاعب الاجتماعية الضخمة وتعد انتقادا حادا لفشل نظامها السياسي طيلة أجيال وقرون عبر الدكتاتورية وعدم المساواة المزمن والفقر المدقع.
 
استشراء الفساد
تبدو الأزمة الحالية غير القابلة للحل مقولبة على استحضار شخصية شبه أسطورية وسط عدم ثقة شعبية واسع بالنخبة السياسية. وتورط الرئيس بخسارة ملياري دولار بفساد في صفقة مثيرة للجدل لشراء طاقة رخيصة من فنزويلا بالآجل، وهو عقد سيطلق التمويل للتنمية الاجتماعية، لكن القوات الأمنية استجابت باطلاق النار على المحتجين ورفضه المتكرر للاستقالة.
من جانبها تورطت شخصيات المعارضة أيضا بالعنف السياسي، وشاركت بتسليح العصابات الاجرامية، وتأثر بعضهم بنفس الفضيحة التي لحقت بالرئيس. 
وتسبب كل ذلك برفع مكانة تلك الشخصية من الماضي البعيد وغير الملوثة بالفشل الحالي لنظام البلاد السياسي. يقول الروائي الهاييتي ليونيل ترويلو: "يعد ديسالين بالنسبة للسكان الشخصية الوحيدة فعليا في تاريخنا الذي كسب هذه المكانة الأسطورية. وكان ديسالين عبدا من الحقول في الأصل، وزعيما أسس الدولة، وأراد مجتمعا مبنيا على المساواة
والمنزلة المشتركة للمواطنة."
الجزء المحوري بكل ذلك هو دستور 1805 الذي وقعه ديسالين ويدعم المساواة بين عبيد الإرث الأفريقي المباشر المحررين حديثا وطائفة الإرث المختلط الذين هيمنوا على النظام السياسي والاقتصادي للبلاد.
 
إرث دموي
حمل ديسالين معان مختلفة جدا بأوقات مختلفة، اذ أزيل من تاريخ هايتي لأربعين سنة بعد مقتله وسط عزلة البلاد الدبلوماسية المبكرة. لكن نشيدا وطنيا بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس البلاد عام 1904 خلّد ذكرى ديسالين، وانتشر خلال 20 سنة من الاحتلال الأميركي بدءا من 1915.
ارتبط نظام دوفاليير (1957 - 1986) بقوة مع ديسالين، ومن ثم تبعته فترة آخرى كان الزعيم المؤسس وعلمه الأحمر والأسود يعدان أمرا غير مقبول، وأي شخص يرفع العلم يشتبه بدعمه للدكتاتورية السابقة. ولا يخلو ديسالين من المشاكل كما يقول مؤرخون، اذ أمر بقتل ما بين 1000 الى 5000 مواطن فرنسي منهم نساء وأطفال ضمن "مذبحة هايتي" بسبب مخاوف من مخطط فرنسي ضد الجمهورية الجديدة، مع أنه دافع عن سكان بيض آخرين غير فرنسيين. يضاف الى ذلك، دعم ديسالين نظام عمل تقييدي ربط العمال بالمزارع حتى اذا نالوا أجرا مقابل جهودهم، على الرغم من الغائه العبودية.
 
صحيفة الغارديان البريطانية