عدوية الهلالي
يرى البعض أنّ الثقافة الجماهيرية أدنى قيمة من ثقافة النخبة، ولأن المثقف النخبوي يمتلك من دقة الرصد والتحليل الدقيق للواقع وغزارة المعلومات مايجعله في مكانة عليا تلقائيا، فلايعني ذلك ألا ينزل من برجه العالي ليمتزج بالجماهير حين تدعو الحاجة الى
ذلك .. اليوم، ومع خروج الجماهير الى ساحات التظاهر للمطالبة بحقها المشروع في الحصول على وطن وحياة كريمة، تدعو الحاجة الى مشاركة المثقف للجماهير ان لم يكن بوجوده بينهم، فمن خلال مايطرحه من آراء بناءة ومايقدمه لهم من خارطة طريق واضحة بناءً على خبرته وثقافته وقدرته على ايضاح الصورة ..
الثقافة رسالة ودور المثقف في بناء الامة والمجتمع الذي ينتمي اليه هو الهدف الاسمى الذي يجب أن يطمح اليه ليخلد اسمه ويجني ثمار جهوده الفكرية والثقافية، فلايكفي أن يكدس الكتب التي تختزن فيها عصارة فكره، ولا ان يتحدث عن نظرياته الثقافية في الندوات والتجمعات النخبوية متنكرا للجمهور الذي يحتاج الى نور يهتدي به وسط ظلمة الجهل والتجهيل الذي تسعى اليه الحكومات لتلجم افواهه، فأمامه مهمة تاريخية ومسؤولية أدبية واخلاقية وحاجة الى ارشاد جمهور يعيش حالة من الضياع والتخبّط الفكري والاخلاقي في ظل وجود محرّضين على الفوضى والجهل وربما العنف من على منابر الخطابة او شبكات التواصل
الاجتماعي ..
كلما عصفت أزمة ما بالبلد، يجد المثقفون مادة جاهزة للنقاش والتحاور أو كتابة المقالات وتبادل الآراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم من يقوم بتحليل الازمات وتقديم حلول لها بل هناك من يذهب بعيدا في تفاعله مع الازمة، فيتضامن مع الفئة التي يقتنع بصوابها كأن يشارك في تظاهرة او اعتصام او تقديم مساعدات من أي نوع لها، بينما ينزوي البعض بين كتبهم واوراقهم وأحلامهم الخيالية فهم يفضلون الجلوس مع نظرائهم ولايخالطون من هم أقل منهم ثقافيا لتوعيتهم وتثقيفهم على الرغم من ان بعض المثقفين يحتاجون أصلا الى التثقيف والتوعية لأنهم لايفقهون من الثقافة الا قشورها ..
لقد واجه المثقف العراقي صعوبات كبيرة خلال سنوات الحروب والحصار والصراع الطائفي واضطر فيها الى بيع قلمه او التخلي عن كتبه لقاء لقمة العيش، فيما هرب آخرون خوفا على حياتهم الى خارج العراق، أما من حاول الصمود بوجه سلطة المال والقوة ليصدر أفكاره للآخرين فقد عانى اكثر من غيره لأنّه كان مضطرا الى استغلال ماتوفر لديه من حرية رأي ليصدر افكاره للآخرين بدون أن يفقد حياته أو عمله، او ان يكون نخبويا فيقدم ثقافة لاتخرج عن اطار كتبه ولاتغادر جدران القاعات المغلقة التي تضم نظراءه وقد يتحدث بلغة معقدة لاتهبط الى مستوى المواطن العادي ..
ربما حانت الآن الفرصة الحقيقية للمثقف ليثور على بؤس الثقافة وعزلتها عن الناس وتقاعسها في توجيههم وتوعيتهم، لذا يجدر بالمثقف العراقي اليوم ان يجسّد مثالا ايجابيا للجماهير فيشعر بهمومهم ويسهم في توعيتهم وتنبيههم الى مصالحهم الحقيقية وهويتهم الوطنية لتسمو الروح العراقية على قيود السطحية واللامبالاة والابتذال التي حاولت الحكومات ان تقيد بها عقول الشباب وتجمدها.. حان الوقت للمثقف اذن ان يكسر القشرة الجامدة ويصل الى اذهان الجمهور
وعقولهم .. وضمائرهم .. وأن يكون جزءا فاعلا من الحراك
الجماهيري ..