علاقة التغيَّر المناخي بزوال الإمبراطورية الآشورية

بانوراما 2019/12/30
...

روزي مكول 

ترجمة: انيس الصفار  

كانت الامبراطورية الاشورية ذات يوم كبرى امبراطوريات العالم القديم واعظمها، لكن العلماء اليوم يعتقدون أن التغيرات المناخية كان لها دور في سقوطها واندثارها. اتسمت العقود الأخيرة من عمر الامبراطورية الاشورية (التي امتد عهدها من 912 الى 609 ق. م.) بالقلاقل السياسية والنزاعات مع قوى داخلية وخارجية، بيد أن هذا كله سبقته، كما يقول الباحثون الذين نشروا بحثهم في مجلة "ساينس أدفانسز" العلمية، سلسلة من موجات الجفاف العملاقة خلال القرن السابع قبل الميلاد أدت الى تدهور نمط حياة المواطنين العاديين.

يقول "آدم شنايدر"، وهو من المشاركين في البحث: "لقد كانت الامبراطورية الاشورية كبرىاكبر امبراطوريات المنطقة بلا منازع في ذلك الزمن، لأنها كانت تبسط سيطرتها على معظم الاراضي الممتدة من الخليج الى قبرص. 
ومن حيث الاساس كان الاشوريون أشبه بالامبراطورية ضمن سلسلة أفلام ستار وورز، فقد كانوا آلة التهام لا تبقي ولا تذر."
إلا  أن الباحثين يشيرون الى ان قدر هذه الامبراطورية كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمناخ، فهي قد ابتدأت وازدهرت خلال فترة شهدت استقراراً في هطول الامطار 
ووفرة 
الحصاد. بالمقابل بدأت بذور الانهيار تنبت خلال فترات مجدبة متواصلة من الجفاف الشديد نجم عنها فشل في انتاج المحاصيل وندرة الغذاء مع مستويات أعلى من 
الصراعات.
 
قطرات الماء المتحجرة
استند هذا الرأي الى تحليل قطرات الماء المتحجرة داخل الرواسب الكلسية لكهف "كونا با" الواقع شمال العراق، إذ كشف التحليل الكيميائي لهذه الرواسب، لاسيما مستويات الكربون والأوكسجين، عن واقع مستويات الرطوبة والمطر التي سادت مراحل تاريخية مختلفة وصولا الى العام 2007 ميلادي. 
هذه القراءات مكّنت الباحثين من متابعة الكيفية التي تغيّرت بها مستويات الرطوبة مع مرور الزمن.
توحي نتائج الدراسة بأن مواسم الجفاف التي عصفت بالامبراطورية الاشورية ابتدأت ضمن وقت اسبق مما كان يعتقد، وانها جاءت في أعقاب فترة رطبة كانت الأوفر ماء لتاريخ 
المنطقة. 
هذه النتائج كانت لها اهميتها لأن الاشوريين، على حد وصف شنايدر، كانوا شديدي التأثر على نحو خاص بالتغيرات المناخية نظراً لطبيعة الجغرافيا لمناطق شمال 
العراق.
يوضح شنايدر المسألة فيقول: "في تلك المناطق يجري نهر دجلة خلال شق عميق، قاطعاً الأرض المجاورة، وهذا يجعل من الصعب على المزارعين القيام بعمليات ري واسعة النطاق هناك، لهذا كان سقوط المطر مسألة مصيرية وبالغة الأهمية لاستمرار حياتهم."
تأكيد الباحثين على دور المناخ في هذه الدراسة جاء مختلفاً عن بحثهم السابق الذي كان يركز على اشتراك عدد من العوامل، مثل النزاعات السياسية الاقتصادية والتوسع المفرط على الأرض والهزائم العسكرية، بيد أن هذا العامل يضيف بعداً جديداً الى عدد من البحوث التي تثبت أن التغيرات المناخية قادرة على تغيير مجرى التاريخ.
 
سوريا مثالا
الثورة الفرنسية التي حدثت سنة 1789 مثال على ما أسلفنا، لأنها جاءت في اعقاب سنوات من شح الحصاد وارتفاع اسعار 
الخبز. 
كذلك تذكر صحيفة "ذي نيويوركر" أن المؤرخين يعتقدون أن تغير المناخ خلال الحقبة المسماة "العصر الجليدي المصغر" كان هو المسؤول عن رجرجة النظام الاجتماعي في أوروبا وإعادة ترتيبه، والسبب الرئيس هناك كان تأثر ذلك النظام بالحصاد وتسببه بوقوع اضطرابات أهلية واسعة النطاق.
عندما نأتي الى تاريخ أقرب نرى علماء السياسة يتساءلون إن كان الصراع الذي تشهده سوريا هو في واقعه "حرب مناخ" قادت اليها سلسلة متعاقبة من مواسم الحصاد الشحيحة بين عامي 2006 و2010 أدت الى حدوث هبّة نزوح من الريف الى المدينة الى ان انتهت في آخر المطاف بالتصادم السياسي.
كتب "دارسي ثومبسون"، المرشح لشهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، و"لينا إيكلاند" الباحثة المختصة بالجغرافيا الفيزياوية، وكلاهما من جامعة لوند السويدية مقالة قالا فيها: "بالنسبة لحالة سوريا كان هناك نزوح جماعي للأسر التي تمتهن الزراعة، من المناطق الأسوأ تأثراً بالجفاف في شمال البلد (وهي المناطق الزراعية التي تعتبر سلة خبز سوريا) الى مدن دمشق وحماة 
وحلب. 
ولكن الدور الذي لعبته حركة النزوح هذه في الدفع الى حدوث الانتفاضة ليس واضحاً 
بعد."
عن مجلة نيوزويك الاميركية