الأسس الثابتة

آراء 2020/01/04
...

ابراهيم سبتي

من حسن الحظ، ان الاعلام العربي والاجنبي بات يتناول التظاهرات العراقية السلمية ،تناولا ايجابيا عكس الصفات والمدلولات الحضارية التي رافقتها منذ انطلاقها للمطالبة بحقوق وواجبات كفلها الدستور العراقي المصوت عليه في عام2005. من هنا نعرف مدى التزام المواطن المتظاهر السلمي بقواعد الاحتجاج الهادف الرصين النابع من المواطنة الحقة التي تريد بالبلاد خيراً على طول المدى وبالتالي المشاركة في عملية البناء الكبرى التي ينشدها المتظاهر نفسه والباحث عن الحياة بما تحويه من تطور وعيش رغيد. وفي نظرة سريعة لتظاهرات مماثلة حدثت في بعض دول العالم  في عام 2019 مثل كولومبيا ولبنان وفرنسا، سنجد انها في فرنسا كانت تخرج عن هدفها وسلميتها في ايام عدت من اسوأ الايام المريرة التي مرت في حياة الفرنسيين كما حدث في باريس تحديدا حين خرجت عن السيطرة واحدثت تخريبا ودمارا مرعبا وزرعت الخوف والترويع في نفوس الناس.وفي كولومبيا كانت المسيرات قد جرفت كل شيء في طريقها، ما وصفت بأنها كانت تخريبية اكثر مما هي احتجاجية . وعند التمعن في تظاهرات ساحة التحرير سنجد انها مختلفة تماما. فهي صارت تعليمية وتثقيفية وشدت الروابط الاجتماعية واطلقت العنان للمواهب الفنية والسياسية والاقتصادية. بل راحت اكثر من ذلك حين اقامت دورات وورش توعية في الدستور وهو انجاز كبير يحسب لها، ان الحكومة العراقية نظرت لهذه التظاهرات نظرة اعجاب وتمعن حين جعلت المفاصل تحسن من ادائها وتحسين حضورها امام المشاكل المؤبدة والقضايا التي طالب بها المتظاهرون وكانت بمثابة بث روح الحياة في بعض الادارات التي كانت اشبه بالميتة، واي حال يتغير وفقا لمعطيات التظاهر السلمي فهو تقليد بدا قويا وواضحا دون مجاملة او تزييف كما يعطي الحراك نكهته الوطنية والشعبية التي تبناها الكثير من السياسيين وهم يتعاطفون مع المطالب المشروعة، كما رأيناهم في وسائل الاعلام، وهم يبررون المطالبات ويقفون معها باعتبارها جاءت نتيجة تراكمات منذ 2003. ان المنظور الاخر لتظاهرات سوح التحرير، هو النظر اليها على انها جاءت عفوية ودون تخطيط، ما اكسبها شرعيتها دستوريا وشعبيا. ولا اعتقد بأن الطرف الحكومي ينظر للتظاهرات السلمية بغير النظرة الايجابية، لانه بالتالي ربما سيقف معها مؤيدا ان لم نقل انه مؤيد لها اصلا لادراكه بأن الهموم والآلام والتفكير في الغد المشرق ، ليست وليدة اليوم وبالتالي فهي تراكمات ثقيلة. ولا يخفى على المراقب، بأن كل الازمات لا يمكن ان تكون وليدة اللحظة، ولكن تحتاج الى تذليل يومي وحسب خطط مدروسة لكي لا تصبح هموما وآلاما مؤبدة  يئن المواطن من وطأتها . ان اية تظاهرات تجري في دول العالم ، بالتأكيد ستصاحبها احداث وربما اعمال تخريبية تسجل باسمها وبالتالي فان النظرة العامة ستشوش فعالية التظاهر السلمي المطابق لما اقره الدستور وشرعنه بالخروج السلمي التقويمي الذي يفيد حركة واداء الحكومة التي ربما تنتبه لبعض الزوايا التي لم تدركها او تهتم بها احيانا . لذا فان ما يجري من تخريب مصاحب للتظاهر الاصلي ، ما هو الا الانجرار نحو المهاوي السحيقة التي تدك اسس الدولة برمتها وهو امر لا يريده الجميع ولا يناصره ولا يسمح به .لقد تداولت وسائل الاعلام العربية والدولية اخبار التظاهرات بشيء من الحرفية التي لم تخرج عن سياقات نقل الحقيقة لانها ادركت بأن ما يجري هو تظاهر سلمي يريد تقويم وضع ما لم يعالج خلال السنوات الماضية، فأحدث تراكما هائلا، على الجميع المشاركة في الوقوف معا لترميمه من اجل المحافظة على هيبة العراق اولا واخيراً .