- 1 -
في بطون كتب التاريخ والأدب حكاياتٌ وقصص انطوت على كنوز ثمينة من المعلومات، ودروس بليغة، وتجارب نافعة لمن يريد الانتفاع من الماضي لتوظيفه من اجل الحاضر السعيد والمستقبل الرغيد .
- 2 -
إنّ التأمل في سير الزعماء والكبار مُهِمٌ للغاية ، ذلك انَّ السيد الحقيقي هو ذلك الانسان الذي تدفع نفسه أمواج الاستكبار والاستعلاء على بني قومه، ولا يأخذه الزهو والعُجب بما عنده من مواهب وطاقات ويظلّ على طول المدى مسكوناً بأوجاع وآلام رحيل الكبار والعظماء من قومه، فلولا رحيلهم لما وصلت اليه رئاسة قومه ، ولما كان سيدهم البارز .
وهنا تتجلى لنا الشخصية المتوفرة على الخُلُقِ العالي بكل ما يحمله من سمات النقاء والصفاء والبُعْدِ عن الغرور والأنانية والنرجسية المقيتة .
ومن المفيد هنا ان نذكر ما جاء في كُتب الأدب عن ( حارثة بن بدر التميمي) حيث انه اجتاز بمجلس من مجالس قومه من بني تميم ، ومعه كعب مولاه ، فكان كلما اجتاز بقوم قاموا اليه وقالوا: مرحبا بسيدنا
فلما ولّى قال له كعب :ما سمعتُ كلاماً أقرّ لعيني ،
ولا ألذ بسمعي من هذا الكلام الذي سمعته اليوم
فقال له حارثة :لكني لم اسمع كلاماً قط أكره لنفسي ، وأبغض اليّ مما سمعتُه
قال كعب :وَلِمَ ؟
قال ويحك يا كعب :
انما سوّدني قومي حين ذهب خيارُهم وأماثِلُهُم فاحفظ عني هذا البيت :
خَلَت الديار فَسدتُ غيرَ مَسوّدٍ
ومن الشقاء تفردي بالسؤددِ
لقد دلّنا هذا النص على أنَّ النفس الكبيرة ترفض – باصرار – التورط في تضخيم (الذات) ولا تسند لها الباهر من المكارم والصفات ، وهي بهذا تبتعد عن كل أشكال الانتفاخ .انها لن تُسّلم بانّها على مستوى الحجم الاجتماعي الكبير الذي احتَلتْهُ من وجدان الناس، لكي لا تطغى أو تختنق بكابوس الغرور .
- 3 -
ومشكلة السلطويين في العراق الجديد أنّهم لم يحسنوا قراءة أنفسهم ، ولا قراءة الغير لهم ، وهكذا باتوا يتوقعون أنْ يكون المواطنون خَدَماً لهم بَدَلَ أنْ ينطلقوا لخدمة الناس من موقع الايمان بان مهمتهم الاساسية هي خدمة الشعب والوطن . وكل ذلك أدّى الى ان تكون الفجوة بينهم وبين مواطنيهم كبيرة ، كما أنَّ انشغالاتهم بتكريس مكاسبهم وامتيازاتهم بعيداً عن الوطن والمواطنين ادّت الى اندلاع الانتفاضة التشرينية العارمة . ان سقوف المطالب الشعبية المشروعة عالية وليس من السهل على السلطويين المسارعة الى تنفيذها وانجازها .
وهنا تكمن المعضلة .