شكراً مهندس الانتصارات

آراء 2020/01/06
...

د. حسين القاصد 
 
كنت، مثلي مثل كل العراقيين، أتابع القنوات الخارجية التي بدأت تصلنا، بصعوبة، مترقبا سقوط النظام السابق؛ وكانت إحدى القنوات تبث برنامجا يظهر فيه شخص يبدو أنه خبير عسكري، وكان بحكمة وقراءة دقيقة، يحدد مسار القوات الأميركية؛ والغريب أن تلك القوات وصلت بغداد، طبقا لقراءته الدقيقة، حيث قال إنّ الأميركان سيصلون إلى بغداد عبر الصحراء من دون المرور ببقية المحافظات، فضلا عن توقع إنزال جوي على مطار بغداد. 
لم أتعرّف على الرجل، لكن القناة ايرانية، فظننته ايرانيا على الرغم من عروبة اسمه الحركي وكنيته ولقبه وعراقية لسانه المبين. 
بعد أن زال النظام، فوجئت بأن هذا الرجل صار عضوا للجمعية الوطنية التي سبقت مجلس النواب، لكنه سرعان ما اختفى لكونه مطلوبا للأميركان!! . 
ازدادت الحيرة وتضاعفت، فقد اختفى النائب جمال جعفر الذي اتضح فيما بعد أنّه ابو مهدي المهندس نفسه الذي كنت أراقب تحليلاته وقراءته للطرق التي سيسلكها الاميركان لاسقاط النظام السابق؛ ولقد غاب فترة ليست بالقصيرة، لكنه عاد للظهور بقوة مع قوة جبروت وطغيان الاميركان، وقاد معارك الدفاع عن بغداد بعد سقوط الموصل بيد الظلام الصحراوي الداعشي، إلى أن جاءت فتوى الجهاد الكفائي المباركة من صمام أمان العراق المرجع الأعلى السيد علي السيستاني أدامه الله للعراق والأمة؛ وبعد الفتوى ظهر جمال جعفر باسمه الذي رسخ في بالي (ابو مهدي المهندس) لكن هذه المرة، ظهر بصفته نائب رئيس الحشد الشعبي. 
احتدمت معارك التحرير ضد حثالة التاريخ من الدواعش، وبدأت اخبار عودة هيبة العراق تتوالى، حتى وصل الحشد الشعبي إلى مشارف تكريت، فكتبت وقتها في صفحتي في الفيسبوك بأني سأقيم مهرجانا كبيرا بعد اسبوع بمناسبة تحرير تكريت؛ كان ذلك ضربا من جنون أو حدس الشاعر، وقد استجاب أغلب الأدباء والفنانين والعراقيين العرب للمشاركة مع ان الخبر هو مجرد حدس من كاتب هذه السطور.
في اليوم التالي اتصل بي صديقي وأخي مهند العقابي، وكانت اخبار التواصل بيننا قد انقطعت من عام 2010، فرحبت باتصاله وعبرت عن اشتياقي؛ لكنه اختصر الحديث وقال: أنا مدير اعلام الحشد الشعبي،  نعم سنحرر تكريت الاسبوع المقبل، وطلب مني أن نلتقي لكي نرتب أمور المهرجان، فالتقيته واتفقنا على موعد مهرجان (هنا العراق)، بدعم من هيأة الحشد الشعبي، وفعلاً تمّ تحرير تكريت وأقيم المهرجان وحضره مهندس الانتصارات، وقد ألقيت كلمة الافتتاح ارتجالا. 
كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها المهندس. 
التقيته بعدها مع وفد من الإعلاميين في بيجي بمناسبة تحريرها، وهي المرة الأولى التي حدثته فيها وحدثني وهنأته على النصر. 
آخر مرة التقيته مصادفةً في معهد العلمين في النجف الأشرف، وقد كنت مدعوا من الدكتور ابراهيم بحر العلوم، لجلسة شعرية يقيمها المعهد في ذكرى الإمام علي عليه السلام، وكان المهندس على وشك المغادرة لكنه حين علم بالجلسة الشعرية بقي ليستمع، وكانت جلسة مميزة. 
بعدها لم أره، ولم يجمعنا اي لقاء أو مناسبة، حتى سماع خبر استشهاده؛ ويبدو أنه أصر على الانتصار حيّا أو ميتا؛ لذلك كان قرار خروج الأميركان من العراق الذي صوّت عليه مجلس النواب العراقي  بعضا من ثمار استشهاده، وثمار دمائه. 
شكراً مهندس الانتصارات العراقية، فلقد صنعت النصر حياً وميتاً.