وجدان عبد العزيز
يختصر الفقيه (مونتسيكيو) الترابط العضوي بين الحق والحرية، اذ يحدد مديات الممارسة وامكانيات تحققها فيقول: إنّ الحرية لا تقوم على أن يضع المرء ما يريد بشكل مطلق، وإنما ترتكز في مجتمع تسوده القوانين على شقين، أولهما، أن يضع المرء ما يريد، وثانيهما، ألّا يكره المرء على صنع ما لا يريد، فالحرية لديه مقيدة برابطة الممارسة للحق، والحقّ هو ميزةٌ أو سلطةٌ للشخص يعترف بها القانون، ولا شكّ اصبحت الان اغلبية الشعب العراقي مع مطالب الإصلاح والتغييرات التي تطرحها التظاهرات، وبما ان البلد لديه دستور يتبع سياقات قانونية في التحول من مرحلة الى أخرى، وبغض النظر عما خرق الدستور من الطبقة السياسية، لكن حتماً علينا ان نحترم سياقاته القانونية، فموضوع ترشيح شخصية لرئاسة الوزراء أمر مختلف تماماً عن المطالب الشعبية العامة، لأنه موضوع خاص وخاضع للإرادات السياسية المتنوعة للمتظاهرين والقيادات الأصلية التي تقف وراءهم، وللرؤى السياسية لباقي فئات الشعب، وجميعها إرادات محترمة، سواء كانت من داخل التظاهرات، أو من خارجها، ويجب أخذها في الاعتبار، ثم أننا أمام عملية اصلاح، وهذه العملية تتم عبر حكومة انتقالية مؤقتة، سيكون اختيارها عبر السياقات الدستورية النافذة، أي من خلال البرلمان الحالي، الذي أقرَّ مفوضية عُليا للانتخابات جديدة وقانون انتخابات جديد، يعني هناك توجه لهذا البرلمان بالاصلاح نتيجة الضغط الشعبي.. اذن نترك فسحة من الوقت لاختيار رئيس وزراء جديد وحسب مواصفات مطالب التظاهرات، كي يقوم باجراء انتخابات مبكرة ينتج عنها حكومة من رحم التظاهرات قادرة لمحاكمة الفاسدين وتقديمهم للعدالة وارجاع اموال الشعب منهم، والقيام بتفعيل الاقتصاد الوطني من خلال الاستثمار في القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية، لمحاولة جعل موارد الدولة متعددة، أي الخروج من ربقة الاقتصاد الريعي الفاسد المعتمد على موارد النفط فقط، حيث سهولة سيطرة المفسدين عليه لصالح اغراضهم الدنيئة، وحينما تصبح موازنة الدولة متعددة الموارد، سيكون هناك وفرة بالايراد الذي يحجم قضية العجز في الميزانية، ومن ثمّ وفرة فرص العمل واستيعاب الايدي العاملة، وهذا الامر يمتص البطالة القنبلة الاجتماعية القابلة للانفجار في أي وقت.. اذن السياقات الدستورية والقوانين تتطلب وجود البرلمان الحالي، كما اسلفنا ليقوم بترشيح رئيس وزراء جديد يترأس الحكومة الانتقالية المؤقتة ويمهّد للانتخابات المبكرة، والتي لايمكن ان تكون إلّا وفق السياقات الدستورية، والمتمثلة في توافق الكتل السياسية البرلمانية الحالية، شئنا أم أبينا، أي أن إرادة الشعب لاتنتج سلطة من وهم ومن شعارات غير واقعية، بل تنتجها عبر آليات عملية قابلة للتحقق، فلو ذهبنا لإسقاط سلطة البرلمان يعني استحالة تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة، وعدم وجود تلك الحكومة، يعني عدم إجراء انتخابات مبكرة، فما راح تنجح محاولاتنا في اظهار الاصلاحات التغييرية للناخب والمتظاهر، يعني عدم إنتاج حكومة جديدة مقبلة تمثل إرادة الشعب، وعلى المتظاهرين ان يسلكوا الطريق الديمقراطي الحضاري في تحقيق ثورة الاصلاح، فمن بديهيات مبادئ الديمقراطية أنها لاتسمح بتاتاً بأن تفرض أية فئة من فئات الشعب رأيها على الفئات الأخرى، وإلّا مثّل هذا الفرض قهراً لإرادة الآخرين ولوناً آخر من ألوان الاستبداد والدكتاتورية، لأن التظاهر ضد السلطة لايعد مصدراً لشرعية فرض المتظاهر خياراته على الآخرين، وهنا نكشف للعالم اننا طلاب اصلاح وليس فرض ارادات، بل نحن اصحاب اهداف محددة غايتها اصلاح الحال، وتحويله الى حال افضل بطريق حضاري سلمي وفق سياقات قانونية..