عبدالزهرة محمد الهنداوي
هناك صنفان من البشر، يسارعون لصعود التلال والمرتفعات خلال الازمات، اما طلبا للنجاة من خطر محدق، او انتظارا لفرصة مناسبة للحصول على المغنم .. ولكن، عندما نقلّب صفحات التاريخ، نجد ان كلا الصنفين لم يحظيا بما دفعمها الى صعود التل، فذاك ابن النبي نوح الذي ترك أباه وصعد الجبل ليعصمه من الغرق، ولكن نتيجته انه كان من المغرقين، وأولئك رماة المسلمين في معركة احد، عندما اغرتهم تجهيزات جيش قريش، فصاحوا الغنيمة، الغنيمة، تاركين مواضعهم وواجباتهم القتالية، فأطبق عليهم جيش ابي سفيان، فكان ماكان من احداث كادت ان تودي بحياة النبي محمد (ص) في تلك المعركة..
وكمقاربة بين طوفان نوح، وبعده، ماحدث في معركة احد، فإنّ الوضع في العراق، يشهد اليوم طوفان عارما، وعلى الجميع ان يصعدوا في السفينة، ويتعاونوا على قيادتها والوصول بها الى شاطئ آمن، وفي المقابل، ونحن نستذكر في هذه الايام ذكرى تأسيس جيشنا الباسل وشرطتنا البطلة، مطلوب من قواتنا الامنية بجميع صنوفها، ان تبقى متيقظة وعدم ترك واجباتها في حماية الامن، فعدونا مازال يتربّص بنا..
وبالعودة الى قضية السفينة وابحارها نحو شاطئ آمن، فانني هنا، اتحدث عن تداعيات الاحداث التي نشهدها اليوم، وقد اختلط فيها الحابل بالنابل، حتى لم يعد بالامكان الفرز والتمييز بين ابيضها واسودها، فإدارة ترامب لم تبقِ خطاً احمر، وتجاوزت كل الحدود، على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات تعاون تربطنا بالجانب الاميركي، كنا نعتقد، ان هذه الاتفاقيات ستكون حبلا متينا بيننا وبينهم، ولكنهم، في لحظة طيش ترامبية، قطعوا ذلك الحبل، فأوقعونا وأوقعوا أنفسهم في ورطة كبيرة..
وانطلاقا من مبدأ، "ليس مسموحا لأحد الصعود على التل هربا او طمعا" فما الذي ينبغي عمله، لانقاذ السفينة ومن فيها؟.. وهنا، لايختلف اثنان، على ان الفعل الاميركي الذي تمثل بقصف وحدات للحشد الشعبي، ثم تمادوا اكثر وفي فعل غير مسبوق، استهدفوا القائد ابا مهدي المهندس، نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي، والجنرال سليماني قائد فيلق القدس الايراني، الذي كان في زيارة للعراق، وفي هذا الفعل انتهك الاميركان سيادة دولة عضو في الامم المتحدة، كما انهم استهدفوا قادة كباراً، وكأنهم، بفعلهم هذا ارادوا ان يقولوا، اننا لانعترف بأي سيادة، ولا بأي اتفاق، ونحن نتصرف بمنطق عصابات
"الكاوبوي".
طبعا ان فعلا قبيحا بهذا المستوى، استفز الشعب العراقي، فيما واصل الاميركان استفزازهم السافر للعراقيين، فطائراتهم تواصل تحليقها السافر في سماء بغداد، وترامب، يواصل تغريداته المستفزة، وسلوكياته غير المنضبطة، فماذا نحن فاعلون، في ظل هذا التصعيد الخطير، الذي ينذر بنشوب حرب في المنطقة؟، بالتأكيد ستكون تداعياتها على العراق كبيرة وخطيرة ؟..
هل نقطع علاقاتنا باميركا، ونغلق ابوابنا بوجهها؟، وهب اننا مضينا في هذا الفعل، هل نحن قادرون على تحمل نتائج هذا الإجراء، وكلنا يعلم، ان جراحاتنا من داعش لم تشفَ بعد؟؟، فمدننا المحررة مازالت ترزح تحت براثن الخراب، ودماء الشهداء لما تزل نديّة ساخنة لم تجف بعد، وكلنا يعلم ايضا، حجم التأثير الاميركي وهيمنة الدولار على الكثير من دول العالم والامم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المختلفة، فمن دون ادنى شك ان وصل الامر الى مرحلة قطع العلاقات مع واشنطن، وانهاء الوجود الاميركي في العراق، بنحو كامل، علينا، ان نتوقع لجوء ترامب وحلفائه الى اللعب باوراق كثيرة، من بينها التلويح بعودة داعش من جديد، اذ من المؤكد ان الدواعش يختبئون في محميات اميركية، وبالامكان نقلهم الى أي بقعة في ليلة يغيب فيها القمر.. فضلا عن اوراق اخرى، ربما من ضمنها، اللجوء الى فرض عقوبات اقتصادية، وهذه تمثل المرحلة الاصعب والاخطر، في ظل اقتصاد ريعي، مازال يعاني من مشكلة الانكشاف، عبر اعتماده المطلق على الاستيراد، اذ لايمتلك العراق اصولا صناعية او اقتصادية، متينة، تمكنه من مواجهة هكذا ظروف، فضلا عن التأثر الكبير الذي سيصيب الاحتياطي النقدي العراقي، وما هو متوقع من حدوث حالة تضخم كبيرة، قد تصيب حياة الناس بخطر كبير، ناهيكم عن عزوف المستثمرين عن الدخول الى العراق، ومغادرة الشركات النفطية المنتشرة في عدد من المحافظات، وسيكون الوضع أشد وطأة اذا لجأ ترامب الى استخدام ورقتي داعش والاقتصاد في ان واحد، وشخص مثل ترامب مستعد لفعل اي شيء من اجل ضمان فوزه بولاية ثانية.
الى، هنا يبدو المشهد شديد التعقيد، ومن ثم فإن الحال، يتطلب عقلنة التصرفات والاجراءات، يجب ان يكون كل فعل وتصرف، مدروسا بعناية، ومحسوب النتائج من جميع الجوانب، وان نفكر الف مرة، قبل ان نُقدم على اي اجراء، بعيدا عن الانفعالات والعواطف، على ان لا تنسينا عقلتنا، الثأر، لدماء الشهداء، الذين ارتقوا إلى بارئهم بفعل القصف الاميركي الجبان.. وهذا يتطلب موقفا موحدا من جميع العراقيين بشتى ألوانهم وتوجهاتهم، بعيدا عن البحث عن تل هنا او مرتفع هناك للصعود عليه، هربا، من الغرق، او طمعا
بالمغنم..
إنّه العراق أيّها السادة..