الشخص الأعسر.. الأكثر مهارة وعبقرية

من القضاء 2020/01/13
...

ترجمة : نادية المختار
 
 
تشير دراسات بحثية عديدة الى أن استخدام اليد اليسرى يكون أكثر شيوعا عند الذكور. وتحدث بشكل متكرر أكثر لدى التوائم المتماثلة، وعند الأفراد المصابين باضطرابات عصبية (الأشخاص الذين يعانون من الصرع ومتلازمة داون والتوحد والتخلف العقلي وعسر القراءة، وما الى ذلك). فقد اكتشف أن الفص الأيمن من المخ أو كما يسمى نصف الكرة المخية الأيمن، أكثر نشاطا عند الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى. وقد ارتبط في بعض الحالات بالعبقرية وبمهارات فنية وأخرى مرئية.
 
 
 
تحديد المناطق الوراثيَّة 
توصلت دراسة أجراها باحثون في جامعة اكسفورد، المملكة المتحدة، الى تحديد المناطق الوراثية المرتبطة باستخدام اليد اليسرى والربط مع بنية الدماغ في مناطق اللغات. وحددت الدراسة لأول مرة مناطق الجينوم المرتبطة باليسار في عموم الناس، وربطت آثارها مع بنية الدماغ، والاختلافات الوراثية بالصلات بين مناطق الدماغ. 
كان من المعروف بالفعل أن للجينات دورا جزئيا في تحديد درجة التسليم، وقدرت دراسات التوائم، أن 25 بالمئة من التباين في استخدام اليد يمكن أن يعزى الى الجينات. كما حددت الدراسة بعض المتغيرات الوراثية المرتبطة باليسار من خلال تحليل الجينوم لنحو نصف مليون شخص أعسر. ومن المناطق الوراثية الأربع التي تم تحديدها ارتبطت ثلاثة من البروتينات المشاركة في نمو الدماغ وبنيته- على وجه الخصوص- بالأنابيب الدقيقة والتي تعد جزءا من السقالات الموجودة داخل الخلايا والتي تسمى الهيكل الخلوي وهي التي توجه بناء وعمل الخلايا في الجسم. 
وباستخدام التصوير التفصيلي للدماغ لنحو 10 آلاف مشارك، وجد الباحثون أن هذه الآثار الوراثية ارتبطت باختلافات في بنية الدماغ في مساحات المادة البيضاء والتي تحتوي على الهيكل الخلوي للدماغ الذي ينضم الى المناطق ذات 
الصلة. 
استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتتبع هياكل الدماغ التي تم تنشيطها خلال التجارب التي أجريت على المشاركين. ولاحظوا، أن قسما واحدا من الدماغ يسمى الفص الجداري الأعلى، تم تنشيطه في كل شخص أثناء التدريب. واكتشفوا أيضا، أن مستوى النشاط في منطقة الدماغ مرتبط بمستوى الأداء المحسن في اليد اليسرى- فكلما زاد النشاط، كان أداء اليد اليسرى أفضل. 
 
تحد كبير
يقول البروفيسور دومينيك فرنسيس، استاذ أمراض الروماتزم والعلوم العضلية الهيكلية لجراحة العظام في جامعة اكسفورد: “من الناحية التكنولوجية كانت هذه التجارب تشكل تحديا كبيرا. لقد تعاملنا مع ما يراه الناس، ودمج حركة اليد السلبية لاظهار أن أيدينا يمكن أن تتعلم عندما لا تتحرك تحت السيطرة الطوعية. ونحتاج الى اظهار طريقة للحصول على مكاسب عالية الأداء مقارنة بالأنواع التقليدية الأخرى من
 العلاجات.” 
ويأمل العلماء من أن هذا البحث يمكن تطبيقه على المرضى في برامج العلاج الطبيعي الذين فقدوا قوة أيديهم أو التحكم بها.  
يقول الدكتور أكيرا ويبرغ، الاستاذ في مجلس البحوث الطبية بجامعة أكسفورد: “نحو 90 بالمئة من الناس هم من مستخدمي اليد اليمنى، وقد أتاح لنا (البنك البايولوجي) استخدام مجموعة البيانات الكبرى للأساس البيولوجي لنحو نصف مليون شخص أعسر. وكذلك تسليط الضوء على العمليات التي تؤدي الى الاستغناء عن استخدام اليد اليسرى. واكتشفنا أن مجالات التخاطب في الجانبين الأيسر والأيمن من الدماغ تتواصلان مع المشاركين في اليد اليسرى بطريقة أكثر تنسيق. وهذا يستدعي امكانية مثيرة للاهتمام للبحث المستقبلي الذي قد يكون لليد اليسرى ميزة عندما يتعلق الأمر بأداء المهام اللفظية. ولكن يجب أن نتذكر أن هذه الاختلافات كانت ترى فقط كمتوسطات على أعداد كبيرة جدا من الناس.” 
يقول البروفيسورغوينيل ديفيد، استاذ التصوير العصبي التكاملي في جامعة أكسفورد: “تظهر العديد من الحيوانات عدم تناسق في اليسار عند تطورها، مثل قذائف حيوان الحلزون الملفوفة الى اليسار أو اليمين وهذا هو الدافع وراء الجينات لسقالات الخلايا، أو ما نسميه “الهيكل الخلوي”. ولأول مرة في البشر- تمكنا من اثبات ان هذه الاختلافات الهيكلية المرتبطة بالسلامة مرئية بالفعل في الدماغ. ونحن نعلم من الحيوانات الأخرى، مثل القواقع والضفادع، أن هذه الآثار ناتجة عن جينات مبكرة للغاية تسترشد بالأحداث، لذلك فأن هذا يثير احتمال وهو أن السمات المميزة للتطور المستقبلي للتسليم تبدأ في الظهور في المخ حينما يكون الانسان جنينا في الرحم.” 
ولاحظ الباحثون أيضا، وجود ارتباطات بين المناطق الوراثية التي تشارك في اليد اليسرى وفرصة أقل قليلا جدا للاصابة بمرض الشلل الرعاش، ولكن هناك فرصة أعلى قليلا من الاصابة بمرض انفصام الشخصية. ومع ذلك، أكد الباحثون أن هذه الروابط تتوافق فقط مع اختلاف بسيط للغاية في العدد الفعلي للأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض وهي علاقة لا تظهر حتى السبب والنتيجة. ويمكن أن تساعد دراسة الروابط الوراثية في تحسين فهم كيفية تطورهذه الظروف الطبية الخطيرة. 
ويخلص فرنسيس: “لقد أثبتنا في هذه الدراسة أن استخدام الشخص اليد اليسرى هي نتيجة جينية وظيفية لعلم الأحياء التطوري للدماغ، ويعزى ذلك جزئيا الى التفاعل المعقد بين العديد من الجينات. وهو في الواقع جزء من نسيج غني لما يجعلنا أفرادا عاديين جدا، بل قد نمتاز ببعض مقومات الذكاء والمهارات
 الكثيرة.”         
 
عن ساينس ديلي