من وجهة نظر المتنبي

آراء 2020/01/14
...

نوزاد حسن 
 

  في واحدة من قصائده العميقة يلخص المتنبي انطباعه عن الحياة بصورة مذهلة جدا، إذ يقول "وكأنا لم يرضَ فينا بريب /الدهر حتى أعانَهُ من أعانا". يقصد ان الحياة بحد ذاتها مليئة بالمنغصات والاوجاع والكوارث، ومع ذلك فإنّ هناك من يساعد الحياة في زيادة الموت والقلق من خلال شن الحروب والغدر وشتى انواع الدسائس. كيف يحدث ذلك يا مولانا المتنبي.؟ 
يجيب: كلّما أنْبَتَ الزمانُ قناةً /رَكَّبَ المرءُ في القناةِ سنانا. مرة اخرى يقصد المتنبي ان الطبيعة تعطينا الشجر لكن البشر لا يكتفون بذلك بل يقومون بصناعة الرماح من ذلك الشجر بعد ان يركبوا لها الاطراف الحادة. اذن لنتوقف قليلا عند هذا المعنى العميق الذي قد يساعدني في فهم بعض ما يجري من حولي.
  هل أبالغ لو قلت إنّ السياسة عندنا تطبّق حرفيا ما قصده المتنبي في كلامه السابق.؟ في الواقع لا أظنني أبالغ أبدا في حديثي الذي قد يراه البعض غير دقيق بالمرة.
  حين كنا ايام النظام السابق دولة تحارب بعنجهية وكأنّنا "اسبارطة" التي تعشق حياة الجند والثكنات، كنّا نتساءل ما الفائدة من الحروب التي كان يشنها صدام هنا وهناك؟. لعقود كانت الحرب رفيقتنا، وكانت مناظر الجنود ببدلاتهم العتيقة تشعرنا بأنّنا لسنا أكثر من جسد في بدلة عسكرية. وحين كنت أدرس الادب الاسباني في الجامعة كنت ممزقا بين جماليات الفن والشعر الاسباني وبين طغيان اللون الزيتوني الكريه جدا. ربما أكون مبالغا في رد فعلي نوعا ما لكنني في قناعتي الشخصية أنّ صدام كان هو الشخص الذي قصده المتنبي في شعره. نعم كان صدام هو احد الذين ساعدوا الحياة وأعطوها مزيدا من الضحايا. لذا كنا نتمنّى الخلاص من نظامه بشتى الوسائل 
وتخلصنا.
  بعد اسقاط نظام حكمنا اربعة عقود واجهنا نوعا جديدا من القلق والالم. استبدّ بنا شعور ضيق خانق عن حقوق الطوائف والاقليات، ولعبت المحاصصة - فن السياسيين الجديد - دورها في اضعاف البلد. وكان الفساد الطاقة التي لا تتوقف سيد حياتنا الجديدة. باعتراف السياسيين انفسهم كان الفساد لا يقهر، وان مواجهته مستحيلة جدا. وعلى مدى ستة عشر عاما كنا نشعر بأن الأمور ليست على ما يرام، وان الديمقراطية اسم لا ينطبق على هذا النظام الذي تفاءلنا بقدومه الينا مع اسقاط نظام البعث 
القديم.
  لقد كشفت لنا تظاهرات تشرين حجم العنف الذي تعرض له المتظاهرون، ويكشف عدد الضحايا هذه الحقيقة. شهداء، وجرحى ومختطفون، واخر من لحق بقافلة الراحين وقبل ثلاثة ايام من كتابتي لهذا المقال هما المراسل احمد عبد الصمد وصفاء غالي. الا يدعونا هذا الى العودة مرة ثانية الى ما قاله ابو الطيب عن اولئك الناس الذين يساعدون الحياة في مضاعفة آلامنا واحزاننا. هل يعقل ان تكون السياسة اكثر قسوة من الحياة 
نفسها.
  اذن تصنع السياسة في احوال كثيرة رماحها الحادة، وحيلها الكثيرة التي تنتهي كلها الى فوضى في حياة 
الناس.