خصخصة الأمن.. يوتوبيا السيادة

آراء 2020/01/14
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
 
على الرغم من الاشتباك في العناوين والمسميات الذي صنعته وسائل الاعلام، بعد قرار مجلس النواب الداعم للحكومة في اتخاذ قرار ينهي وجود القوات الأجنبية، والناجم عن الخلط بين اتفاقية سحب القوات الأميركية (التي ابرمت في العام 2008 وانتهى العمل بها في نهاية العام 2011) مع اتفاقية الإطار الستراتيجي، التي لا تتضمن أية احكام تسمح لأميركا بإرسال قوات الى العراق او استخدام أراضيه او أجوائه الا بطلب من الحكومة العراقية. 
الا ان السند القانوني لوجود القوات الأجنبية في البلاد سيبقى متاحا، بموجب قانون الشركات الأمنية الخاصة رقم 52 لسنة 2017 الذي يجيز للشركات الأمنية الأجنبية العمل في العراق بموجب ترخيص من وزارة الداخلية. ما يعني ان انهاء العمل باتفاقية الاطار الستراتيجي عبر قانون تتقدم به الحكومة (التي سيتفق عليها) الى مجلس النواب، ليكون نافذا بعد سنة من تبليغ الحكومة الأميركية بالقرار، لن يقطع الطريق على الحكومات المقبلة بهذا الشأن، ما لم يتم تعديل القانون رقم 52 لسنة 2017.  
وقد يظن البعض ان الشركات الأمنية الأجنبية، معنية بحماية الشخصيات والشركات الاستثمارية أو سواها من الأعمال المقيدة وحسب، الا ان وجود هذه الشركات في عموم دول العالم يشير الى أدوار تتجاوز أدوار الجيوش في ظل عولمة الأمن، اذ تعد هذه الشركات العنصر الرئيس في سحب الوصاية من الدولة لصالح الجهات التي تقف خلفها، فهي تتعاقد مع الوزارات الأمنية في دولة ما لتدريب منتسبيها على مختلف الوظائف والمهام القتالية والادارية، وتزويدها بالتقانات المعتمدة في حفظ البيانات وتداولها وتلك المعتمدة في المراقبة والتجسس، فتفرض سيطرة مطلقة على تلك المنظومات وقواعد البيانات اعتمادا على اسلوب الوقاية من الحرب السيبرانية، فضلا عن تقديم خدمات عسكرية متعلقة بالتخطيط الستراتيجي والاستخبارات والتحقيق والاستطلاع البري أو البحري أو الجوي، وكذلك عمليات الطيران أيّا كان نوعها، بجانب ما تقدمه من دعم تقني للقوات المسلحة، من قبيل صيانة نظم الأسلحة وتشغيلها وتقديم المشورة، وغيرها من الأنشطة التي تصل حد احتجاز السجناء. وحين يتكرس وجودها تكون صاحبة الشأن في الأمن الداخلي والخارجي، وبخلافه فانها مشروع لاثارة النزاعات الداخلية، ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن واقع افتراضي، ازاء تجارب عالمية في هذا الاطار، فضلا عما حملته لنا تجربة سنوات المرحلة الانتقالية، ونورد هنا على سبيل التذكير، ما تم الاعلان عنه في السنوات الماضية، اذ تعاقدت الحكومة العراقية مع شركة "كونترول ريسك" لتوفير المعلومات الاستخباراتية والتحليلات بهدف دعم جهود محاربة الإرهاب ابان مرحلة الاحتلال، وشركة "إس فينال" لتدريب قوات الجيش العراقي بعد إعادة تشكيله عقب الاحتلال الأميركي، وقيام شركة كوبيك بتدريب بعض الوحدات لتتطابق مع معايير حلف شمال الأطلسي، علاوة على دور "شركة استراتيجيات المخاطر العالمية غلوبال ريسك" التي قدمت استشارات أمنية للعراق خلال مرحلة إعادة بناء الجيش، زد على ذلك، المهام التي اوكلت لبعض الشركات الأمنية، ذات الأنشطة المتعلقة بتأمين المنشآت العامة وحماية المسؤولين الأجانب كما في تجربة شركة "غلوبال ريسك إنترناشيونال وبلاكووتر سيئة الصيت"، وهذه الأخيرة بحسب تقارير، تملك قاعدة بيانات لنحو 21 ألف جندي سابق من القوات الخاصة، ولديها تجهيزات عسكرية متطورة لا تقل عما تمتلكه الجيوش النظامية. وقد كشفت مصادر عراقية في آذار 2015 عن عودتها مجددا الى العراق تحت مسمى آخر، لمساعدة القوات العراقية في عملياتها العسكرية ضد "داعش" لحماية الطريق الرابط بين محافظة الأنبار والحدود الأردنية. "واستنادا إلى ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز فإن بلاك ووتر خلقت شبكة من أكثر من 30 شركة وهمية وشركات تابعة للحصول على ملايين الدولارات من عقود الحكومة الأميركية. 
وتشير مصادر أخرى الى ان حجم الإنفاق والتوظيف في القطاع الأمني الخاص داخل الولايات المتحدة، يفوق ما هو عليه في القطاع الأمني الحكومي الرسمي، إذ وظفت أكثر من 10 آلاف شركة أمن خاصة نحو 1.5 مليون حارس، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف الحال في القوى الأمنية الحكومية، التي بلغ العدد فيها نحو 554 ألفا، ومن ثمّ فإنّ ظاهرة خصخصة الأمن، في العراق الليبرالي، تجعل الحديث غير واقعي بشأن الدعوة لعدم وجود القوات الأجنبية على أرض البلاد ما لم يعاد النظر بقانون الشركات الأمنية 
الخاصة.