سيد نفسه

آراء 2020/01/14
...

   د. كريم شغيدل
 

مرة تلو الأخرى تؤكّد المرجعية الرشيدة وسطية خطابها وتضامنها مع مطالب الشعب، وتحاول رسم خريطة طريق لمشروع سياسي وطني، فمن خلال خطبها الأخيرة ركزت بصورة عامة على تصحيح مسارات العملية السياسية، لكن للأسف الشديد ليس هناك جدية في التعامل مع ما تطرحه، بل هناك انتقائية بمقدار ادعاء البعض باحترامها والولاء لها وبمنظار المصالح الشخصية أو الحزبية، وثمة من يتعامل بازدواجية مع ما تصل إليه من قناعات يفترض أن تشكل منهاجاً للعمل 
السياسي.
   منذ سقوط النظام الدكتاتوري وأية الله العظمى السيد علي السيستاني يلعب دور صمام الأمان، فقد أصر على كتابة الدستور بأيادٍ عراقية، وإقامة الانتخابات، ونبه لتحديات عديدة، ثم فتوى الجهاد الكفائي التي تحررت مدننا على إثرها من عصابات داعش الإرهابية، والدعوات المتكررة لنبذ الطائفية والعنف والتأسيس لمشروع وطني يبنى على مبادئ الحق والعدالة الاجتماعية وتقوية أواصر المحبة بين أبناء الشعب العراقي من مختلف الأطياف، وصولاً إلى الوقت الحالي حيث التظاهرات التي تعم الشارع العراقي واستقالة 
الحكومة.
    ولننتبه جيداً إلى الخطبة الأخيرة، بعد تفاقم الأزمة على خلفية اغتيال الشهيدين المهندس وسليماني والرد الإيراني باستهداف عدد من المواقع الأميركية، فقد أدانت المرجعية انتهاك السيادة العراقية من كلا الطرفين، ثم حددت مساراً واضحاً بمثابة الاستراتيجية التي ينبغي أن تكون من الأولويات الثابتة، وبعبارة صريحة غير قابلة للتأويل (يجب أن يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناؤه ولا دور للغرباء في قراراته يستند الحكم فيه إلى إرادة الشعب ويكون حكماً رشيداً يعمل لخدمة جميع المواطنين..) فهل ثمة وضوح أكثر من هذا؟ كما كررت الخطبة واحداً من أهم المطالب، ونعني به حصر السلاح بيد الدولة.
    إنّ حصر السلاح بيد الدولة ليس مطلباً جماهيرياً تسانده المرجعية فحسب، بل هو أس الحل للعديد من أزمات البلد، وهو يعني بالضرورة إنهاء كل مظاهر التسلح الفردي والعشائري والحزبي والميليشياوي، الأمر الذي يوفر فرصة للأجهزة الأمنية لتفرض سيطرتها في ملاحقة عصابات الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والنفط والتلاعب بمقدرات الدولة وحماية الأموال العامة والخاصة، فالسلاح خارج نطاق الدولة هو تهديد لأمنها وأمن المجتمع، أما موضوع السيادة فقد اتخذ صورتين: الأولى سيادة الدولة بوصفها كياناً مستقلاً شرعياً وهو أمر يتعلق بالأمن القومي، والصورة الثانية استراتيجية الحكم الرشيد المستقل الذي يستمد شرعيته من إرادة الشعب، ولا يسمح فيه لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي دولياً كان أم إقليمياً، عربياً أم أجنبياً، إسلامياً أم غير ذلك، فالجميع غرباء بحسب المفهوم الوطني لمقولة (يجب أن يكون العراق سيد نفسه) ولا ندري متى 
يتحقق ذلك.
      كل شيء ممكن التحقق بالاستناد إلى إرادة الشعب، وهذا لا يتحق إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وقانون يمنح الكفاءات الخيرة من خارج الأحزاب الحاكمة، مساحة تستحقها في صنع القرار، ومفوضية مستقلة تعمل وفق الأسس الحقيقية للديمقراطية وبمراقبة دولية.