كُـتّـاب: الســيادة لأي دولة لا تأتي من تلقاء ذاتها

آراء 2020/01/17
...

محمد خضير سلطان
قاسم موزان
يتداخل أو يتوازن مفهوم السيادة على العموم  في اثنين من أنواعه بين الداخل والخارج لأية دولة من العالم أو في العالم المعاصر، الأول يشتمل على عناصر الوحدة الداخلية المتكونة من التاريخ المشترك لشعب ما وأرضه وحدوده الوطنية الواضحة فضلا عن سلطته العليا في نظامه السياسي والثاني موقع الدولة من منظومة القوانين الجيوسياسية الدولية واستقرار التعامل معها في سياق الوقائع وحسب المعاهدات والاتفاقات الاممية.
إذن فالسيادة ببساطة، وحدتان الاولى، تخص موقعنا من العالم والثانية معاكسة  على نحو متزن تظهر العالم في تشكلنا معه، والسؤال الذي نطرحه هنا ، هل ان بلادنا لها نصيب من بناء ما لهاتين الوحدتين.. واذا كانت الوحدة الداخلية السيادية لدينا على صعيد الأرض فقد عانت من التنازل والقضم والاحتلال في سياقات واقع محلي واقليمي قائم، وعلى مستوى السيادة السياسية لا زالت ترزح تحت القوى التي تمنع وتحول عن كشف البناء العلوي ووحدة السلطة الاعلى على مدى الوجود الاثني والطائفي، وهكذا نبلغ منطقة صامتة في سيادتنا الداخلية ولم نلبث حتى نستخدم من خلال اللاوعي التاريخي الشعارات اللغوية للتضليل على موقعنا الهش ونستعيض بالغنائيات القديمة الزاهرة بحثاً عن العنصر الضائع في الأمة المستعادة لفظياً.
وإذا أردنا أن نقرأ الوحدة الخارجية السيادية لبلادنا فأن الحدود الوطنية جبلا وماء وصحراء ما زالت بكراً، كل يوم تشرق عليها الشمس القديمة ومابرحت عنها الامبراطوريات الازلية في أن تكون ملتقى ومقراً أو معبراً لمقاتلين يتدربون في اثينا وديار بكر وبلا د الري والجزيرة العربية لتجري معاركهم على الفرات.
كيف ننظر على هذا الوفق الى سيادتنا الداخلية لكي نتخطى الصمت والفراغ الذي نكتشف فيه موقعنا الذاتي من العالم الحديث بل كيف نجري توازناً بين سيادتنا الداخلية والخارجية، هل نحتاج الى معجزة في زمن لم يعد  صالحاً لذلك؟
دائرة النظام القيمي
الكاتب والسياسي محمد عبد الجبار الشبوط، لا يكتفي بمناقشة مفهوم سيادة الدولة كونه من المفاهيم الحديثة نسبيا والمبحوثة في القانونين الدولي والدستوري وعلم السياسة أو يشكل احد  مكونات الدولة بمعناها الحديث وهي الارض والسكان والنظام السياسي والسيادة، انما يضيف الى قائمة المكونات السيادية ما سماه النظام القيمي بالنسبة للدولة الحضارية الحديثة وهو جزء من تواصله الكتابي وطروحاته في البحث السياسي والفكري، والنظام القيمي لدى الشبوط هو الاستعدادات الحضارية لدى المجتمع أو نخبة منه في عملية بناء ثقافة القدرات واطلاقها لسيادة وكرامة الدولة وقبل أن يصل الى الدور القيمي الواجب تأديته لمجتمعنا العراقي في بناء دولته، يذكر تعدد وتعقد تعريفات ومعنى السيادة فلسفيا وقانونيا فان ما تعنيه عمليا وواقعيا هو تمتع الدولة "بالسلطان المطلق" داخل حدودها وخارجها بحيث لا يوجد قيد داخلي او خارجي على سلطانها.
ويتابع القول بشأن التنظيم السيادي: وبتأمل الواقع العملي للدول بعد نشوء التنظيم الدولي وتعدد اشكال الدول، اصبح القول بالسيادة المطلقة محكوما بعوامل عدة، خارجية وداخلية،  تدفعنا الى التفكير بالسيادة المقيدة،  ومن اهم القيود المفروضة على سيادة الدول: القانون الدولي، بما في ذلك لوائح حقوق الانسان، وانظمة الاتحادات الدولية مثل الاتحاد الاوروبي ، والدولة الفيدرالية  والكونفدرالية والعقوبات الدولية.
اما السيادة على المستوى الداخلي- يتابع الشبوط-  يمكن ان تتعرض للتآكل بسبب عوامل داخلية اهمها الفوضى  التي تضعف السلطات التنفيذية والتشريعية في الدولة الى الدرجة التي تجعلها غير قادرة  على فرض سلطانها داخل اقليمها الارضي او الجوي او البحري.
وقد تعرضت سيادة الدولة العراقية الى التآكل والانتقاص والتقييد مرات عدة، كما حصل في طل حكم صدام حسين، او في ظل الاحتلال الاميركي بعد عام ٢٠٠٣، او في عهد حيدر العبادي. واليوم نشهد تآكلا خطيرا في قدرة الدولة على ممارسة سيادتها وسلطانها في داخل اقليمها الارضي والجوي بسبب الفوضى الدستورية، و ضعف سلطات الدولة المختلفة وعدم قدرتها على تنفيذ قوانينها وقراراتها بسبب خروج الشارع الشعبي عن السيطرة، ووجود قوى اجتماعية ومسلحة اقوى من الدولة، فضلا عن عدم احترام اطراف اقليمية ودولية لسيادة الدولة العراقية.
هنا يصل الكاتب محمد عبد الجبار الى ما يريد قوله اجابة لسؤال "الصباح" بأن مفهوم السيادة الموجود في الكتب ليس هو الامر الوحيد المهم، انما المهم ايضا قدرة الدولة على ممارسة سيادتها، والواضح الان ان الدولة العراقية غير قادرة على ممارسة هذه السيادة بسبب تعدد الفاعلين الداخلين والخارجيين وتعارض اراداتهم مع ارادة الدولة الغائبة.
ولا سبيل الى إعادة ترميم سيادة الدولة العراقية الا بالخروج من حالة الفوضى، والعودة الى الدستور والقانون والنظام العام واستعادة الدولة قدرتها على ممارسة السيادة في الداخل والخارج.
وربما توقف تحقيق ذلك، في نهاية المطاف، على اعادة هيكلة الدولة وتجديد بناء مؤسساتها بشكل يمكنها من ممارسة السيادة الداخلية وفرض احترام العالم لهذه السيادة.
واذا كان ذلك هو السبيل المهم كما يراه الكاتب الشبوط في إعادة الترميم والخروج من حالة الفوضى فان الاهم منه هو في تشكيل النخبة التي تصّير النظام القيمي الثقافي سبيلاً الى بناء ثقافة القدرات في استعادة السيادة.
 
نهاية السيادة
الخبير القانوني والكاتب طارق حرب ربما لن يذهب بعيدا أو قريبا في رؤيته الى ان مفهوم السياده المعروف لا زال متعلقا بالنظره السابقة له قبل انشاء منظمة عصبة الامم ومنظمة الامم المتحدة وان كان ميثاق الامم المتحده في الفقره السابعه من الماده الثانيه يقرر السياده للدول بعدم التدخل في شؤونها وان الدول متساويه لكن الماده 39 وما بعدها اعطى ميثاق الامم المتحده لمجلس الامن الدولي.
ويرى حرب بان سيطرة مجلس الامن هوما يهدرهذه السياده ويتلفها اذ خوّل المجلس صلاحية التدخل في شؤون اية شخصية في العالم، دولة أو دويلة او منظمة او جهة من تدابير حربيه واسقاط انظمه الى حصار اقتصادي الى اجراءات اخرى كما ان العالم في السنين الاخيره أنهى الاحلاف واستبدلها بالتحالفات التي تحقق نتائج عسكريه منها تحالف غزو الكويت وتحالف ضد "داعش" والتحالف العربي في اليمن.
ويشكك الخبير القانوني بوضوح ودقة المفهوم قائلا: السياده اليوم اصبحت مفهوما غير واقعي ومن الجهل المناداة به بدليل ان وزير خارجية ايران عند مشاركته بالامم المتحده وهو بالاراضي الامريكيه يشتم امريكا ويسيء لمسؤوليها ولا تدفع امريكا بالسياده او تمنع المسؤولين الايرانيين من دخول الاراضي الايرانيه.
هكذا يخلص حرب الى أن السيادة توارت في زاوية ضيقه في القانون الدولي وبين الدول والذي ينادي بها ينادي في قربة مثقوبه لا اقول انتهت السياده كحكم في القانون الدولي ولكنها اضحت اصغر من الصغير، واستمر مفهوم السياده في القانون الداخلي بما يمثله الدستور والتشريعات الداخليه للدوله.   
الرضا اساس السيادة
الكاتب والاعلامي عبد الحليم الرهيمي، يتحدث عن مفهوم السيادة تزامناً مع السجال الدائر الان حول انسحاب القوات الاجنبية (والمقصود الاميركية اساساً) من العراق إذ يتجدد السجال والحوار حول مفهوم السيادة الوطنية بين فريقين رئيسيين من العراقيين ، حيث يرى فريق ان وجود هذه القوات يشكل مساً او أنتقاصاً للسيادة الوطنية العراقية ، بينما لا يرى الفريق الآخر ذلك معتقداً ان وجود هذه القوات وجود شرعي ولا يمس السيادة كونه حصل بأتفاق الدولة العراقية ومؤسساتها الرسمية الشرعية والجهات الخارجية المسؤولة عن هذه القوات ولا يمكن انهاء هذا التواجد للقوات الا بالتفاوض والحوار في ضوء ما نصت عليه الاتفاقات بين الطرفين وبالاستفادة من المواثيق والاعراف الدولية المعنية بمثل هذا الامر .
ويتابع الرهيمي حديثه، ان مفهوم السيادة الوطنية الذي ترافق ظهوره والحديث عنه أبان الثورة الفرنسية عام 1789 واخذ بعد ذلك تعريفات ومفاهيم متباينة ، لكنها لم تخرج عن جوهر المقصود بهذا المفهوم الذي اعتمد اخيراً على اعتبار السيادة الوطنية، هي سيادة داخلية واخرى خارجية ولا يمكن الفصل بينهما أو الاخذ بأحدهما دون الاخرى  فاذا كانت السيادة الداخلية تمثلها سيادة الدولة ومؤسساتها وحقوق وواجبات مواطنيها وانفاذ القوانين التي تضمن لهم حرياتهم وحقوقهم وسعادتهم واتخاذ القرارات التي تعنيهم بأرادتهم الحرة ، فان السيادة الخارجية تعني حق الدولة، اي دولة وشعوبها ممارسة حقوقها وعلاقاتها الدولية بحرية لمصلحة شعوبها ووطنها ووفق القوانين والاعراف الدولية .
ويؤكد الرهيمي مستخلصا القول في الحقيقة التي لا يجادل فيها أحد ، ان مسألة السيادة الوطنية ينبغي أن تحددها المصالح الوطنية الاساسية للشعب العراقي ومصلحة الوطن في آن معاً، من منظور وطني واقعي لا عاطفي ولا شعاراتي  فاذا كان وجود اي قوات اجنبية او مستشارين او اي جهات اجنبية على الارض العراقية قد تمت برضى وموافقة الجهات الرسمية وعبر المؤسسات التشريعية الممثلة للشعب لتصبح شرعية وضامنة للسيادة الوطنية ولا تشكل ثلمة لها، ويكون مثلها مثل وجود السفارات (كأرض عراقية عليها سيادة اجنبية بالتوافق ورضا الطرفين ) .
 
 بين الممكن والمرجو
الكاتب والسفير السابق لقمان عبد الرحيم الفيلي يتناول في بداية حديثه هرم "ماسلو" لللاحتياجات الانسانية الاساسية إذ يأتي شعور الانسان بالأمان في المرتبة الثانية ضمن هرم أولويات وحاجات البشر الرئيسة بعد الحاجة الى الهواء والماء والغذاء واللباس ولعل من اهم اسباب نشوء أنظمة العيش والمجتمعات بدءاً من تكوين الجماعة والقبيلة وصولاً الى نشوء الدول كنظام متكامل لضمان امن البشر ونشوء الحكومات كآلية لتطبيق وادامة نظام الدولة الذي يهدف في صلب أسباب نشوئه الى نقل المواطن من واقع حال معين الى واقع حال أفضل ليضمن توفير متطلبات العيش الكريم التي يتصدرها في الاولوية توفير الامن على مختلف الأصعدة ضمن اهداف محددة، ولكنها جوهرية، لدعم شرعية وجود الدولة.
 ويؤشر الفيلي، هنا يأتي دور الحكومات ومسؤوليتها في تطبيق وتطوير السياسات المعنية لذلك المجتمع بتحقيق أسباب نشوء الدولة وإدامتها ضمن طبيعة ذلك المجتمع.وعندما نحاول تطبيق ما جاء في أعلاه على حالة السيادة العراقية نشخّص سوية كعراقيين خللاً مرتبطاً بموضوع السيادة والخروقات المستمرة التي نواجهها من قبل الأصدقاء والاعداء،وبناء على ذلك، يطرح الكاتب الفيلي رؤيته الدقيقة بالقول:  لمعالجة هذا الخلل علينا جوهرياً ان نراجع بشجاعة واقعنا وفهمنا لطبيعة السيادة المطلوبة وأسباب خروقاتها المستمرة، هذه المراجعة تشخص ان كان الخلل فنيا أي متعلق بسوء تطبيق سياسات الدولة، ام موضوعياً، أي مرتبط بهشاشة القرارات او عدم واقعية الرؤى والاهداف او لنقل ضعف إمكانية تطبيقها وتفعيلها وبعد تشخيص الخلل نحتاج ان ننتقل الى المرحلة الثانية والمتعلقة بتشخيص المعالجات وطبيعة المستلزمات المهم تحضيرها لتفعيل هذه المعالجات.
ويعتقد الكاتب ان أحد افرازات هذه الخروقات هي مع دول نعتقد كعراقيين ان لنا علاقات ستراتيجية معها، وعليه من الضروري للذين يتحدثون (كسياسيين او اعلاميين او نخبة) عن مضار او منافع العلاقات الاستراتيجية، مع الصين او الولايات المتحدة او ايران او غيرها، ان يعرفوا بالمجمل متطلبات هكذا علاقات فضلاً عن تفاصيل تلك المتطلبات.
وينتقل الفيلي الى اجابته العميقة عن سؤال الصباح  في عملية بناء التوازن بين السيادتين الداخلية والخارجية في التطرق اولا الى ما قبل السؤال ومن ثم الاجابة عنه على خلفية البعدين المادي والمعنوي اللذين يحددان طبيعة وشكل المجتمع الذي يسعى الى نيل مايريد، يقول الفيلي : في العلاقات الاستراتيجية هناك بعدان أساسيان يحددان عمق العلاقة المطلوبة من عدمها، الأول مرتبط برغبة المجتمعات بدرجة الرفاه (البعد المادي) التي تريدها لشعوبها وكيفية التخطيط للوصول لها، والثاني مرتبط بدرجة السيادة (البعد المعنوي) التي تستعد ان تتنازل عنها مقابل الوصول الى هذه العلاقة الاستراتيجية ودرجة الرفاه الممكنة تبعاً، عندما تعرف المجتمعات كيفية ان توازن وتطبق هذه المعادلة الدقيقة عندها ستتقدم الى الأمام كثيراً في السير نحو علاقة استراتيجية متينة مع اي بلد اخر تريده، أما اذا بقيت لا تعلم درجة الرفاه المطلوبة وطبيعة السيادة الممكنة عندها ستتوه وسط سياسات العالم المعقدة المتشابكة وتفقد البوصلة تجاه الحفاظ على السيادة الوطنية وبالتالي هيبة الدولة.
ويتابع : هنا نرى أهمية التوازن في السياسات الاستراتيجية للدولة العراقية وعدم السعي للركض والقفز قبل ان تتعلم بالوقوف والسير بخطى متزنة ومحسوبة ولعل سعينا كعراقيين لإيجاد علاقات استراتيجية مع عدد غير قليل من دول العالم مع عدم وضوح التكلفة ومستلزمات نجاحها وعدم توازن البعد الداخلي مع الخارجي ساعدت الأخرين على اعتقاد انه هناك ضعف في إمكانية ردع الدولة العراقية لها بما فيه الكفاية في حالة تحركهم لخرق سيادة العراق لمصالحهم الانية او الاستراتيجية.السيادة والهيبة والرفاه والكرامة والامن وغيرها من مفردات القوة لأي لدولة لا تأتي من ذاتها، بل تحصل عليها المجتمعات بالمثابرة والتخطيط والايثار والتركيز وجمع سواعد النخب والكوادر المتقدمة لمجتمعاتها بعد تحديد الأدوار والرؤى الاستراتيجية المنبثقة من تزاوج عقولها الجبارة مع قياداتها الهميمة.