عبد الأمير المجر
السؤال الذي طرحه أكثر من متابع ومهتم هو: هل الدستور الذي أُقرَّ في العام 2005 يهدف الى تنظيم الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، لشعب يعيش في دولة قائمة فعلا، أم انه جاء ليوزع تركة دولة بين (مكونات)، مختلفة ثقافيا وقوميا؟ .. السؤال يحيلنا الى قراءة اهم بنود هذا الدستور، التي هي بمثابة حجر سنمّار، الذي تقول الحكاية إنه وضع في مكان خفي من البناء، وإذا ما أُزيل فإن البناء المتمثل بـ(قصر الخورنق)، سيسقط بأكمله، ولم يدلّ المهندس البيزنطي، سنمّار، أحدا على مكان الحجر، حتى الملك النعمان بن المنذر، وإنما أخبره بوجوده فقط، فما كان من الملك، إلاّ أن القى به من اعلى القصر ليدفن معه السر، ويبقي قصره قائما بعيدا
عن التهديد!
الدستور العراقي، كتب في ظل إدارة بوش الابن ورهطه من المحافظين الجدد، وكان هدف هؤلاء من احتلال العراق، جعله مثابة لتقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية، وهو ما سيتجلى لاحقا في عاصفة (الربيع العربي)، الذي أيقظ وحوش التكفير والارهاب، ممن جيء بهم الى البلدان العربية المستهدفة، ليعيثوا فيها فسادا، ويمهدوا لتقسيمها، بعد أن أغرقوها بالدماء، وكان العراق وسوريا في مقدمة المرشحين للتقسيم بعد اجتياح داعش مدن العراق الغربية، وسقوط أكثر من مدينة سوريّة بأيدي الدواعش، بالتزامن مع إنشاء تنظيم مايعرف بـ(قوات سوريا الديمقراطية) للسيطرة على المناطق السورية الكردية، لكي تقف حفلة الدم، عند واقع جديد، يفرض نفسه على المنطقة والعالم معا! لكن هبّة العراقيين السريعة، فاجأت العالم ودحرت داعش.
لا أريد التحدث هنا عن محاولات بعضهم في البصرة أو غيرها من المدن الغربية، لإقامة أقاليم في محافظاتهم، لأنها كانت وما زالت على هامش اللعبة الكبيرة المتمثلة بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات، وعلى اسس طائفية وعرقية، وهو الهدف الذي مازال بعضهم يعمل عليه، ووفقا للدستور
طبعا!
أين يكمن حجر سنمّار في بناية دستورنا؟ ... هذا ما علينا أن نؤكد عليه لكي تعرف الناس حقيقة ما أريد لنا منذ سنين، ولعل ما مررنا به من كوارث وأزمات كانت جميعها مفتعلة بغية الوصول الى الهدف المنشود، بعد إنهاك الشعب ودفعه للقبول بأسوأ الحلول، وهو تقسيم العراق الذي سيكون بداية حقيقية لتقسيم المنطقة بأكملها، لما للعراقيين من امتدادات مذهبية وقومية، تتوزع الميدان الإقليمي الملتهب، وهذه مسالة يجب ان لا يغفلها اي متابع، ناهيك عن القضايا التاريخية الملتبسة بين العراق وبعض جيرانه، التي ما زالت تعتمل في وجدان هؤلاء، الذين سيصفّون حسابهم مع العراق المفكك بطريقتهم الخاصة، إذا ما حصل ذلك، لاسمح الله!
يقول دستورنا: إن كل إقليم، إذا ما أُنشئ فسيكون له رئيس إقليم، ورئيس وزراء ومجلس وزراء وبرلمان ودستور خاص وعلم وحرس إقليم (جيش خاص)، يموّل من ثروات الإقليم التي سيكون التعامل معها، وفقا للدستور، بطريقة تجعل التقسيم حاصلا حتما، ناهيك عن الحرب بين الأقاليم، على الحدود والثروات، إذ سيكون المُكتَشف من ثروات الإقليم، بعد العام 2003، تحت تصرف حكومته، وهي التي تضع لها القوانين الخاصة بها، وفي حال عدم موافقة المركز، بعد رفعها اليه، يكون قانون الإقليم نافذا بعد شهرين بشكل تلقائي! وبذلك يصبح المركز خالي الوفاض من المال الذي يبني به جيشا وطنيا، ويدير دولة، ممثلة في الخارج باسمها وعلمها، منوهين هنا الى أن لكل إقليم الحق في إقامة ممثليات له في الخارج، بموازاة السفارات العراقية!
المركز سيتصرف بالثروات المكتشفة قبل العام 2003، مايعني ضمنا، أن الدولة القائمة قبل هذا العام، ستقوض بطريقة سنمّارية محكمة، بعد أن تتوزع بين أقاليم، تمتلك الثروات والجيوش، وحينها سيكون الإعلان عن انتهاء العراق أشبه بنهاية الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، وستبدا الحرب على بغداد، لأي الأقاليم
ستكون؟!
ليدلني أحد على دولة اتحادية، أو فيدرالية كما يسميها بعضهم، يكون فيها للأقاليم مثل هذه الصلاحيات لنحذو حذوها، إن كان لا بدّ لنا من ذلك. ونكرر السؤال: هل لدينا، بعد كل هذا، دستور لدولة، أم قسّام غير شرعي لتوزيع تركة دولة؟ .. سؤال نتركه في ذمة الفيدراليين ومن
يصفق لهم.