البناء على الرمال

آراء 2020/01/18
...

حسين الصدر
 
هناك من يسارع للخوض في مسائل لا يحيط بعلمها على الإطلاق، إلّا انه يزج نفسه فيها زجّا منتهكاً بذلك حُرمةَ العِلم بلا هوادة، وهو بهذا يكشف عن عمق ما تنطوي عليه شخصيتُه مِنْ ثغرات!
روي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر – وهو جد الإمام الصادق لأمّه إذ إنَّ أمّ فروة هي بنت القاسم وهي أمُّ الامام الصادق (ع) والقاسم فقيه معروف قال عنه ابن خلكان : إنه كان من سادات التابعين ، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة- . إنه قال :{ لئن يعيش الرجل جاهلاً بعد أنْ يعلم ما افترض عليه خيرٌ له مِنْ أنْ يقول ما لا يعلم } ( راجع كتاب الأعيان للسيد العاملي ج13 ص130 
ط / دار التعارف – بيروت  وقد يذهل المرء للوهلة الأولى حين يقرأ خَبَر تفضيلِ الجهلِ على العلم، ولكنه حين يتأمل الخبر بدقةٍ يجد أنَّ الخوض في المسائل بدون علم، وبعيداً عن الدراية المطلوبة، إنّما هو محضُ الوقوع في المستنقعات الآسنة والتردي في الهاوية 
وما نقل عن القاسم بن محمد لم يكن نظريةً دون تطبيق، فقد ذكر لنا التاريخ عنه :إنّ رجلاً دَخَلَ عليه مجلسه والناس محتشدون حوله فسأله عن مسألة فقال القاسم بصوت عالٍ: لا أعرف جوابها 
فلما قال للرجل ذلك قال الرجل: أنا قاصد إليك ولا أعرف غيرك فأجابه القاسم: يا هذا،  لا تنظر الى طول لحيتي، واجتماع الناس حولي،فإني والله لا أعلم جواب مسألتِكَ، فدهش الحاضرون لموقفه وخاطبه أحد كبار العلماء قائلا: يا بن اخي،إلزمها فإني ما رايتك في مجلس أنبل من هذا اليوم، فأجابه القاسم قائلا:والله لئن يُقطع لساني أحبَّ إليّ من أنْ أقول شيئا وأنا لا أعلمه انظر مع الصادقين ج4 ص 51 
وقدِ ابتلينا في هذه الأيام بكثرة الأدعياء للمقامات العلمية العليا وهم لا يحسنون شيئا على الاطلاق ... إنهم لا يستطيعون قراءة آية من كتاب الله على وجهها الصحيح فضلاً عن القدرة عن الإجابة الصحيحة لمُشكلات المسائل. 
ولشدة جرأتهم على الله يُطلقون على أنفسهم أكبر الألقاب، وينسبون الى أنفسهم من النعوت والصفات ما يجعلهم يتفوقون على الأفذاذ والعظماء والعباقرة .. ومن هنا انتشرت الفتاوى الغريبة التي ما أنزل الله بها من سلطان، واستبيحت الكثير من الحرمات ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم .
قديما قيل :اذا أعطيتَ العلم كلَّكَ فلا يعطيك إلاّ بعضه! واليوم نجد من أطباء العيون مختصا (بالشبكية) وآخرَ مختصا( بالقرنية) فطبيب العيون لا يدّعي القدرة على معالجة كل أمراضها فكيف بالآخرين؟
ويتسلح -مع الأسف- الكثير من الأدعياء بشهادات مزوّرة تُشترى مِنْ بعض الجهات المريبة ليغطي بها جهله أولاً ، وليثبت صحة ادّعاءاتِه ناسياً انَّ ذلك كلَّه لن يُخفي حقيقته التي سرعان ما يكتشفها الأذكياء بمجرد كلامه. أليس الكلام صفةَ المتكلم ؟ وبهذا ينهار ما بناه على رمال الكذب الاحتيال . لا تَنْسَ أنْ سياسيي الصدفة هم من طلابّ
هذه المدرسة !