ينشغل الرئيسُ التركي، رجب طيب اردوغان، وكبار المسؤولين في حكومته، بالملف الليبي، هذه الأيام، أكثر من انشغالهم بأي ملف آخر على أجندة السياسة الخارجية لأنقرة.
اردوغان الذي أعلن، نهاية الأسبوع الماضي، إرسال عسكريين أتراك إلى ليبيا لدعم حليفه فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، في صراعه ضد اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي؛ يعول على نجاح الديبلوماسية الدولية في اعتماد الحل السياسي لتحقيق السلام داخل ليبيا عبر مخرجات قمة برلين، عقب رفض حفتر التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، خلال محادثات في موسكو، عقدت، الأسبوع الماضي، برعاية كل من روسيا وتركيا.ويشارك في قمة برلين زعماء ومسؤولون من الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وروسيا، وفرنسا، وإيطاليا، وتركيا، والصين، والإمارات، ومصر، والجزائر، والكونغو، فضلا عن السراج وحفتر.
أمل بقمة برلين
وقال اردوغان، من مطار أتاتورك في اسطنبول قبيل سفره إلى برلين، إن "القمة الليبية التي تستضيفها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، سيكون لها معنى مختلف، بعد أسابيع وشهور من الإعداد والعمل"، مضيفا "لقد بذلنا قصارى جهدنا لنجاح مسار برلين".
وتعقد القمة بعد مرور نحو 9 أشهر على بدء حفتر هجوما للسيطرة على طرابلس.
وعدّ اردوغان قمة برلين "خطوة مهمة بشكل خاص نحو التحكيم في وقف إطلاق النار والحل السياسي"، مشددا "يجب ألا تجري التضحية بالأمل الذي ينبثق من خلال وقف إطلاق النار وقمة برلين، لمصلحة طموحات تجار الدم والفوضى".وتوقع الرئيس التركي "مع القرارات التي سيتم اتخاذها في القمة؛ تطورات ملموسة في مجالات متعددة من الأمن إلى الاقتصاد".
وتشهد ليبيا هدوءا حذرا منذ إعلان وقف هش لإطلاق النار قبل نحو أسبوع.
وعزا اردوغان ضمان الهدوء في ليبيا إلى دعوة وقف إطلاق النار التي أطلقها مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، من اسطنبول يوم 8 كانون الثاني الحالي. ورأى أن "هذه الجهود شكلت الأساس لتنظيم قمة برلين".
ونشرت وكالة رويترز الدولية للأنباء مسودة عن البيان الختامي لقمة برلين دعت فيه أطراف الصراع في ليبيا إلى الامتناع عن الأعمال العدائية ضد المنشآت النفطية، وسط دعوة لإجراء انتخابات في البلد الإفريقي.
وعلق اردوغان على المسودة المسربة "لم يصلنا مثل هذا النص. لقد تحدثت إلى وزير الخارجية (مولود جاووش أوغلو) في وقت متأخر من المساء، ولم يخبرني بشيء من هذا القبيل". وتابع "عندما نذهب إلى برلين الآن سنرى. بلا شك سيكون دخول جو الانتخابات في ليبيا، في أقرب وقت ممكن، وفي إطار الأمم المتحدة، تطورا إيجابيا".وذكر اردوغان "يجب أن نرى كل التطورات في هذه القمة، وبعد هذه التطورات يجب أن نرى البيان الختامي، وما الخطوات التي يمكننا اتخاذها بعد هذا البيان، ثم نجري تقييماتنا له"، مبديا أمله بأن "تساعد القمة على اتخاذ خطوات لإنهاء المآسي التي عاشها الشعب الليبي، وتحقيق السلام والازدهار في ليبيا".وكان اردوغان بحث مع ميركل، في اتصال هاتفي، الملف الليبي وقمة برلين، بحسب بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
حماية السراج ومهاجمة حفتر
وتحدث الرئيس التركي عن عمله على حماية حليفه السراج المعترف به دوليا، بينما هاجم خصمه حفتر وعدّه بلا قيمة.
وقال "قمنا بزيادة حوارنا والتشاور والتعاون مع حكومة الوفاق الوطنية، وعززنا تعاوننا بمذكرة تفاهم موقعة مع الحكومة الليبية الشرعية في نهاية عام 2019". وأردف "من خلال هذه الخطوات؛ قام بلدنا بحماية مستقبل ليبيا وضمان حقوقها في البحر المتوسط".
ووقعت الحكومة التركية، في تشرين الثاني، مع حكومة الوفاق الليبية، مذكرتي تفاهم إحداهما للتعاون الأمني والعسكري، والأخرى لتحديد مناطق النفوذ والمناطق الاقتصادية الخالصة التركية – الليبية في البحر المتوسط، تمهيدا لبدء عمليات حفر وتنقيب عن النفط والغاز في المياه المشتركة، بعيدا عن مشاريع دول مناوئة ومطلة على البحر المتوسط ومنها اليونان ومصر.وهاجم اردوغان حفتر وداعميه الدوليين لما خلفه سعيه للسيطرة على طرابلس.
وقال "لسوء الحظ، لم يظهر المجتمع الدولي رد الفعل الضروري على الهجمات المتهورة للانقلابي حفتر". وأكمل "إن تصرفات الانقلابي حفتر ومؤيديه، التي انتهكت علنا قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، جرى التغاضي عنها طويلا".وبيّن اردوغان "لقد فقد مئات المدنيين أرواحهم في الهجمات التي نفذها الانقلابي حفتر وأنصاره، وبسبب المصادمات اضطر ما يقرب من 400 ألف من الأشقاء الليبيين إلى مغادرة منازلهم". وحذر "نرى أن للنازحين رد فعل خطير، خاصة على تونس والجزائر، ويمارسون ضغطا كبيرا على الهجرة، كما نرى أيضا أن تنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة حققت مكاسب جديدة في ليبيا"، مستطردا "وصلت الهجمات إلى مستوى يهدد استقرار منطقة البحر المتوسط بأكملها، وخاصة الدول المجاورة، وكذلك ليبيا".
قبول البيان الختامي
وبحث وزير الخارجية التركي مع نظيره الأميركي والإيطالي، مايك بومبيو، ولويجي دي مايو، البيان الختامي لقمة برلين والأوضاع في ليبيا، كاشفا عن وجود اتفاق على مسودة البيان.
وقال الوزير، مولود جاووش أوغلو، في تصريحات صحفية، عقب لقائه نظيره الإيطالي "أجرينا، ليلة السبت، آخر المباحثات حول البيان المشترك، وهناك مسودة تتفق عليها الأطراف، وستوضع أمام القادة". واستدرك بأن "توقع حل جميع المشاكل في ليبيا عبر قمة برلين سيكون تفاؤل مبالغ فيه"، موضحا أن "أكبر ما تتطلع إليه تركيا في القمة؛ تحقيق وقف إطلاق نار دائم، ووحدة واستقرار ليبيا في نهاية عملية سياسية يشارك فيها جميع الفرقاء".
وكتب بومبيو، من جهته، في تغريدة عبر تويتر تضمنت صورة اجتماعه مع جاووش أوغلو "اليوم في برلين ناقشت مع وزير الخارجية التركي جاووش أوغلو عملية السلام الليبية"، متابعا "اتفقنا على الحاجة لاتفاق رسمي لوقف إطلاق النار وآلية مراقبة موثوقة.