المهاجرون.. مصير ملتبس

آراء 2020/01/19
...

ميادة سفر
 

أفرزتْ الأحداثُ والتطورات المتلاحقة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة العديد من الظواهر والمشكلات التي كان لها أثرها الواضح في الدول والمجتمعات والأفراد، شكلت الهجرة غير الشرعية واحدة من الظواهر الأكثر حضوراً في السنوات الأخيرة لا سيما بعد حرب العراق 2003 وأحداث ما سمي بالربيع العربي منذ العام 2011.
ما بين مؤيد ومعارض انقسمت الآراء بشأن الهجرات التي ازدادت بشكل لافت باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما من دول الشرق الأوسط وتحديداً الدول العربية ودول شمال أفريقيا لأسباب متعددة اختلفت بحسب البلد المصدر للمهاجرين، انقسام بين الداعمين للهجرة انطلاقاً من القيم الإنسانية وحقوق الإنسان والحرية والمساواة، وبين الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة والتي لا ترى فيها سوى تهديد أمني واقتصادي وديموغرافي للبلاد والمجتمعات المستقبلة.
ومع بروز ظاهرة الهجرة غير الشرعية والتزايد الكبير في أعداد طالبي اللجوء، أثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن جدوى وفائدة ومخاطر قبول أو السماح لهذا النوع من الهجرات غير الشرعية في ظل عدم القدرة في كثير من الأحيان على ضبط الأعداد الحقيقية للمهاجرين والبلدان التي قدموا منها. 
أشار تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية صنّف على أنه سري وفق ما ذكرت صحيفة "دي فليت" الألمانية الى أنّه يقدر ارتفاع حالات الدخول غير الشرعية من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي خلال عام 2019 بنسبة 46 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، الأمر الذي يشير إلى استمرار هذه الظاهرة في ظل استمرار الحروب وتردي الوضع الاقتصادي والأمني في كثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا سيولد في المستقبل أزمات من نوع مختلف، قد لا يقف الأمر عند افتقار الدول المصدرة لليد العاملة الشابة التي بإمكانها الإسهام في إعادة إعمار بلدانها، بل قد يتعداه إلى مشكلة الانتماء والهوية ومدى قدرة المهاجرين والبلدان المستقبلة على دمجهم في المجتمعات الجديدة وتحويلهم إلى مواطنين منتجين وهو ما تعمل عليه بعض الدول التي تولي أهمية كبرى للعنصر الشاب والأطفال بسبب تراجع نسبة الولادات فيها أي إيجاد حل لمشكلة الشيخوخة التي تعد إحدى المشكلات التي تعاني منها أوروبا، وبالتالي تتطلع تلك الدول إلى وقت يتحول فيه هؤلاء المهاجرون إلى قوة منتجة قادرة على الاسهام في استمرار تلك البلدان، بينما لم تتمكن دولهم التي صدرتهم من تأمين حد أدنى لاستيعابهم والاستفادة من قدراتهم وطاقاتهم. 
إن تزايد الهجرة غير الشرعية بشكل غير مسبوق إنما جاء انعكاساً لما يجري من أحداث في الشرق الأوسط "الربيع العربي" الذي دعمته كثير من الدول الأوروبية بدواعي ودوافع حقوق الإنسان، والتي باتت اليوم مطالبة أيضاً تحت يافطة حقوق الإنسان باستقبال تلك الأعداد الهائلة من المهاجرين وطالبي اللجوء.
ولا بدّ من الإشارة إلى المخاطر التي تعرض لها المهاجرون أثناء رحلة هروبهم، والأعداد الكبيرة التي قضت أثناء عبور البحر الأبيض المتوسط نتيجة استغلال البعض لتلك الظاهرة وتحويلها إلى تجارة تجاوزت في بعض الأحيان النقل إلى الاتجار بالأعضاء البشرية، وصولاً إلى رفض البعض في الدول الأوروبية لهم وتعرضهم للاضطهاد في بعض الأحيان، في ظل صمت من حكومات دولهم التي خرجوا منها.  تبدو ظاهرة الهجرة غير الشرعية واقعاً مستمراً يحتاج إلى إعادة النظر في القوانين التي تنظم حالات الهجرة واللجوء، في الوقت الذي يواجه كثير منهم مصيراً ملتبساً ومجهولاً ربما ويعيشون حالات عدم استقرار بسبب ارتفاع أصوات تطالب بإعادتهم إلى بلدانهم وأخرى بدمجهم في المجتمعات الجيدة، كلها حالات بحاجة لدراسة وحلول وتعاون دولي يضمن على أقل تقدير إنسانيتهم وحقوقهم.