الحكومة المعرفية

آراء 2020/01/19
...

حسب الله يحيى 
 

الحديث عن فشل الحكومات العراقية منذ العام 2003 حتى الآن، حديث فيه الكثير من العموميات والمغالطات والاندفاعات الذاتية والسياسية، ذلك أن هذه الأساليب التي تدين فشل هذه الحكومات، قد تمتلك الكثير من الصحة والكثير من التشخيص الصائب والسليم؛ إلّا أنها تفتقر الى تشخيص الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذا الفشل. 
ذلك أنه لا يكفي ان تدين ظاهرة سلبية واضحة المعالم ويعرفها الجميع؛ وإنما تحدد مكامن الخلل وأسبابه، ومن خلالهما يمكننا الوصول الى تحقيق حلول ناجحة موفقة.
إن المسألة الجوهرية في فشل هذه الحكومات المتعاقبة، يكمن، كما نعتقد، في غياب الحكومة المعرفية التي ننشدها، ودليلنا على ذلك أنّ عدداً كبيراً من السادة رؤساء مجلس الوزراء والوزراء، كانوا قد انتقلوا من موقع الى آخر، ومن وزارة الى أخرى، وهذا الأمر بحد ذاته يعد خللاً واضحاً، فمن شغل وزارة الزراعة مثلاً لا يصح تعيينه بعدئذٍ وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، ومن كان وزيراً للصحة لا يصلح أن يكون وزيراً للتخطيط.
الخبرات تختلف، والتخصص في هذا الشأن لا ينطبق ولا يتلاءم مع تخصص آخر، وربما يشكل نقيضاً له، أو جهلاً به، أو عجزاً في فهمه. هذا جانب، أمّا الجانب الأهم والأكثر دقة وضرورة، فيكمن في غياب (الحكومة المعرفية)، ونعني الحكومة التي يعرف وزراؤها معرفة دقيقة طبيعة وتفاصيل عمل الوزارات التي يشغلونها، على العكس مما يقوله بعض الساسة إن (منصب الوزير هو منصب سياسي) ذلك أن السياسة علم بحد ذاته، ولا يقوى السياسي على شغل وزارة تحتاج الى خبرات وكفاءات ومعرفة تفصيلية في شؤون عملها. وحين يجيء الوزير ليكون في مركز القيادة من دون خبرة، يصبح الأمر عرضة للابتزاز من قبل المحيطين به لا سيما الذين يطمحون لشغل موقعه، مما يجعلهم حريصين على إفشاله وليس انجاحه. لذلك يكون اختيار (الحكومة المعرفية) هو الاختيار الدقيق والمطلوب والضروري كذلك، فالمعرفة بشيء هو سر النجاح فيه، على العكس من الفشل الذي يحيط بالحكومة التي تؤدي وظائفها بطرق شكلية خالية من المعرفة بطبيعة الأعمال المناطة بها. من هنا كانت معظم الحكومات المتعاقبة حكومات فاشلة بامتياز، ودليل ذلك اتخاذها قرارات عاجلة من دون تروٍ أو دراسة أو خبرة، مما جعل تلك القرارات المصدر الأساسي للفشل. وعند تغييرها أو التخلي عن تلك القرارات بقرارات جديدة، تكون الأمور قد استعصت على الحل، وبات الفشل مضافاً الى فشل سابق.
إن العراق وهو يتوجه الآن الى تشكيل وزارات جديدة، لا بدّ أن يعتمد على وزراء لهم معرفة دقيقة بأيّة وزارة تناط بهم وبتخصصهم تحديداً، فالخيار السياسي لوحده لا يمكن أن يحقق النجاح، بل يمكن أن تكون السياسة بذاتها تعلماً ومعرفة وسبيلاً من سبل المعرفة الحية مما يحول دون نجاح أي وزير مهما كان موفقه السياسي متقدماً، فالسياسة في خدمة المعرفة وليس العكس، وقد آن الأوان للتوجه الى اختيار حكومة معرفية قائمة على بناء مؤسسات تكون قياداتها على دراية كاملة بجيمع وجوه العمل وصولاً الى نجاح مطّرد.