وقع الزمن

آراء 2020/01/20
...

سعد العبيدي
 
للزمن وقع خاص وحاسم في أي تصادم أو صراع بين طرفين، وله وقع أكثر تأثيراً إذا كان التصادم قائماً بين شباب يرون في التظاهر طلباً لحقوق يعتقدونها لازمة لهم ولغيرهم من شرائح المجتمع الكبير، وبين الحكومة التي تعتقد هي الأخرى أنها على حق في فرض رؤيتها الخاصة في التعامل مع الحقوق التي ينادي بها الشباب ومع غيرها من واجبات ومتطلبات إدارة الدولة والمجتمع. 
إن لهذا الزمن الذي نتكلم عنه تحسسا مختلفا وله تأثيرا آنيا ومستقبليا على المجتمع، يبدو أن كلا الطرفين المتقابلين في موقف الصراع لا يدركانه. وفي الوقت الذي يرى فيه الطرف الحكومي أن وقعه من أمامهم ليس بالحرج كما يتصوره الشباب وإن بعض المطاليب المطروحة والمعترف بشرعيتها تحتاج الى الوقت لتنفيذها، كما هو حال التعيين الذي يتطلب تنفيذه على سبيل المثال الى مبالغ مالية لا بد أن تحدد في ميزانية الدولة غير الميزانية القائمة لها وإلى خطط هي غير ميسورة، ويحتاج تيسرها الى مزيد من الوقت، وكذلك تعديل الدستور الذي يتطلب لجانا ودراسات واستفتاءات تعتمد على الوقت، الأمر الذي دفعه، أي الجانب الحكومي، الى الاستمرار بالمناورة ظناً منه أن تأثير الزمن على المتظاهرين يفوق تأثيره على الحكومة، وعلى هذا باتوا يعولون عليه، أي الزمن
، عامل تأثير أحادي الجانب، واستمروا في المغالاة بالاعتقاد بأن الطرف المقابل لهم غير قادر على الاستمرار في التظاهر وأن اليوم الذي سيعترف فيه بأنه غير قادر على الاستمرار هو جدا قريب، وأنه سيغير مواقفه ويعود الى طريق الصواب الذي يعتقدونه هم صحيحاً، غير مدركين أن تأثير الزمن على المتظاهرين مختلف تماماً، إذ إن بعضهم، وإن كان معيلاً لعوائل وبعضهم من الطلبة والكسبة، لكن قسما منهم، وهم الأغلبية، عاطلون عن العمل ويشكون في الأصل من كثرة وقت الفراغ، وبالنتيجة فقد أصبح التواجد في سوح التظاهر فضاءً للوقت ولهوا وكذلك اشباعا لبعض الحاجات، مما قلل من ضغط الزمن على كواهلهم، وبالتالي فإنهم لا يعانون كثيراً من ضغوطه، ولا يهتمون كثيراً إن انتهت تظاهراتهم هذا اليوم أو بعده 
بكثير. 
إن التعويل على الزمن أحادي الجانب خطأ إذ وبغض النظر عن تأثير ضغوطه على استجابة الفريقين المتقابلين، فإن له آثارا مباشرة وغير مباشرة على المجتمع وعلى مسيرة الدولة لا بد من أخذها في الاعتبار بينها، على سبيل المثال، تعطيل الأعمال والدراسة وفقدان السيطرة وتَعود قلة الالتزام والاستخفاف بالمطالب، وفقدان السيطرة على الذات الانفعالية من تابعي كلا الطرفين حيث اللجوء الى القتل والاغتيال والاختطاف من جماعات تحاول أن تحسب نفسها على الحكومة، ولجوء آخرين محسوبين على المتظاهرين، أو مندسين بينهم، إلى أعمال الحرق وسد الشوارع والإكراه لمنع الدوام وغيرها من أعمال تترك آثارا سلبية على المجتمع، ستبقيه عليلاً يئن منها لسنوات كثيرة مقبلة، الأمر الذي يحتم على الطرفين أن يفكرا جدياً بحلول لصالح الدولة، دون المراهنة على الزمن، التي تجر المراهنة عليه المجتمع صوب الهاوية.