مخاطر الفوضى

آراء 2020/01/21
...

 د. كريم شغيدل
 
  منذ مطلع تشرين الأول وحالة الشارع العراقي بين كر وفر كما يقال؛ تظاهرات سلمية تخللتها، منذ انطلاقتها الأولى، أعمال عنف مصدرها قناصون استهدفوا المتظاهرين، تلتها أعمال شغب في بعض المحافظات وتصفية حسابات حزبية، ثم استقالة الحكومة وعدم التوصل لمرشح بديل، وتوجت بالخروقات الأخيرة للسيادة، ثم المطالبة بخروج القوات الأجنبية، ومحاولة منح الثقة مجدداً للحكومة المستقيلة! ولا يمكن لأحد أن ينكر الفوضى التي تسببت بتعطيل الدوام في الجامعات والمدارس وبعض مؤسسات الدولة، وطيلة الوقت لم تهدأ المناوشات، مرة بين المتظاهرين وطرف ثالث مجهول، وأخرى بينهم وبين القوات الأمنية، وربما هناك أطراف حزبية اندست لإحداث الفوضى وإسقاط التظاهرات واتهامات متبادلة وتخوين...إلخ. ومع كل الذي حدث ويحدث كان بإمكان الطبقة السياسية امتصاص نقمة الشارع وإسقاط حجج المتظاهرين بمجرد اختيار رئيس وزراء مستقل لكي يشعروا على أقل تقدير بأن جهودهم لم تذهب هباء، وأن الدماء التي سفكت لم تذهب سدى.
     كان على السياسيين ألّا يفرطوا بفرصة الإصلاح الشامل بدءاً من استقالة الحكومة وترسيخ ثقافتها  وسن قانون جديد وعادل للانتخابات ومفوضية مستقلة وإجراءات اقتصادية مقبولة نوعاً ما ومكافحة الفساد والتخلص من تبعاته وسن قوانين نافذة لحصر السلاح بيد الدولة والتخلص من المحاصصة وتطبيق قانون تشكيل الأحزاب وإطلاق الحريات العامة، وأن تستعيد الثقة بينها وبين المواطن، لكن للأسف الشديد لم ينتهزوا الفرصة وانشغلوا، على ما يبدو، عن الشارع العراقي بخلافاتهم، حتى وجدنا أنفسنا أمام تحديات جسام خرجت عن النطاق المحلي.
    كان بالإمكان منح المتظاهرين حجة للعودة إلى حياتهم الطبيعية بمجرد تشكيل حكومة جديدة ومقبولة وإقرار موعد لانتخابات مبكرة، وكان من المتوقع أن تكون هناك ردة فعل نتيجة المماطلة والتسويف ثم التلويح بالتراجع عن الاستقالة أو إعادة منح الثقة وهو ملف يفترض أننا قد انتهينا منه، وبدل من وقف العنف وإدانته ومحاولة استيعاب التظاهرات وتغليب لغة العقل، راحت بعض الجهات المستفيدة توغل بتشويه صورة التظاهرات السلمية وتتصيد في الماء العكر بنوع من الاستفزاز والتحدي.
   واهم من يتصور أن التصعيد سيكون بصالح البلد، وواهم أيضاً من يتصور بأنه قادر على إيقافه بسهولة، لكنْ، لصوت العقل، دور في تهدئة الوضع، فلا بقوة السلاح ولا بالتسقيط ولا بردات الفعل الاستفزازية يمكن احتواء الأزمة، وعلى الوطنيين الشرفاء من السياسيين ونخب المجتمع أن تعي مخاطر الفوضى ونتائجها الوخيمة، وعلى مجلس النواب أن يسارع لاتخاذ خطوات سريعة وحاسمة بتغليب المصلحة العليا للوطن، كما على السيد رئيس الجمهورية حسم تكليف رئيس وزراء بديل بأسرع وقت ممكن وتشكيل حكومة مؤقتة تدير شؤون البلاد والاستعداد لوجستياً لإقامة  الانتخابات، وليدرك الجميع مدى التضحيات التي قدمها الشعب العراقي سواء في الحروب أو في مقارعة النظام الاستبدادي أو في محاربة الإرهاب، مثلما يدرك حجم التحديات التي نواجهها.