داعش .. تركيز الاهتمام بنشر الفكر المتطرف

آراء 2020/01/22
...

عبد الحليم الرهيمي
بينما يواجه العراق أزمة سياسية عاصفة تتجلى في شلّ عمل وإرادة السلطة الحاكمة وعجزها عن مواجهة المشاكل التي تواجهها، وتتجلى، كذلك، بعدم الاستجابة وحتى الاستماع الى مطالب وأهداف حركة الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت قوتها وامتدادها وهي تنهي شهرها الرابع، في حين يرافق كل ذلك توتر وتفاقم الصراع الأميركي – الإيراني وانعكاساته الحادّة المؤذية للعراق وشعبه، تتصاعد في هذه الظروف الأنشطة والأعمال الإجرامية لداعش ضد المواطنين في بعض المناطق التي تحررت أصلاً من دنسها في عدد من مدن الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك بوتيرة لافتة، حيث تقوم القوات المسلحة والقوى الأمنية، بمختلف صنوفها، بشن حملاتِ تصدٍّ لها وملاحقتها ومواصلة عمليات (إرادة النصر) بعملياتها المتعددة التي انطلقت أولى صفحاتها بعد الإعلان عن تحقيق النصر العسكري على داعش نهاية العام 2017.
وفي الواقع لم يكن هذا التصعيد الارهابي جديداً، إنما هو استمرار لمناوشات مجاميع (أبناء داعش) التي توقع كثيرون بروزها ما بعد النصر مع بروز ما يسمى بالجرذان السائبة أو المنفردة والأعمال الإرهابية المتفرقة للخلايا الكامنة (وليست النائمة). أمّا الجديد في هذا التصعيد فهو اتساع نطاق حجم هذه العمليات الإرهابية ونوعيتها بشكل لافت.
غير أنّ هذا التصاعد، في عمليات داعش الإرهابية، في الشهور الأخيرة، و إن كان خطيرا، لكنه لا يمتلك القدرة على تحقيق نجاحات على الأرض كما حصل في 10 حزيران 2014، لامتلاك قواتنا الأمنية المسلحة، في مقابل ذلك، القدرة والجهوزية العالية للتصدي للأعمال الإجرامية المتصاعدة لداعش على الصعيدين العسكري والأمني.
بالمقابل، فإنّ الاستناد الى القدرة والجهوزية العسكرية لم يعد كافياً لوحده لصدّ داعش ودحره ومنعه من احتلال أراض عراقية كما حصل في العام 2014، إنّما المهمة الراهنة والمستقبلية هي ليست فقط القضاء عسكرياً على داعش وفلوله، بل القضاء عليه سياسياً واجتماعياً وفكرياً، لا سيّما في البيئات المستهدفة من قبله، وفي المناطق المحرّرة وفي تجمعات النازحين والمهجرين بشكل خاص .
وإذا كان التعامل غير السليم  لبعض القيادات العسكرية والسياسية مع أهالي تلك المناطق قد شكل أحد الأسباب الرئيسة التي (شجعت) داعش على احتلالها، تتطلب الآن نهجاً وتعاملاً جديدين بالسعي الجادّ لحلّ المشكلات الاجتماعية والخدمية والصحية والتعليمية لسكان هذه المناطق ومخيمات النازحين، التي يجري الحديث بقوة عن التقصير الكبير في اتخاذها. على أن القيام بما يطلبه أهالي تلك المناطق ، ولو بالحد الادنى ابتداءً، لا يكفي للقضاء بشكل نهائي على أعمال داعش الإرهابية ومنع عودته لاحتلال مناطق جديدة.
إنما ينبغي السعي الجاد والمكثف، وبمختلف الوسائل، للقضاء على الفكر المتطرف لا سيما الفكر العنيف منه الممهد للإرهاب، وهو الفكر الذي قام داعش وسائر الجماعات الإرهابية على تبنّيه وتجنيد مقاتليهم على أساسه. وإذا كان ثمة تقصير في مؤسساتنا الفكرية والبحثية والسياسية في ابتكار أفضل السبل للقضاء على هذا الفكر، فإن داعش، وخلافاً للتقصر لدينا في مواجهته، يبدي أهمية كبيرة جداً في نشر فكره في البيئات القريبة منه أو في تعزيز وترسيخ قناعات أنصاره ومقاتليه بهذا الفكر المتطرف 
المدمر.
لقد أشار العديد من القادة العسكريين والسياسيين العراقيين والأجانب ومن التحالف الدولي الى أن النصر الذي تحقق على داعش خلال الأعوام 2014-2017، والقضاء على دولته الخرافية، لم يكن نهاية المطاف. إذا كانت الملاحقة العسكرية والأمنية لقياداته وعناصره المقاتلة ضرورية فينبغي، إضافة لذلك، مواجهة الفكر المتطرف الذي يستند عليه داعش في تعبئة وتحشيد مناصريه. ومن بين الآراء والتوقعات حول ذلك، ما قاله الجنرال البريطاني روبرت جونز، نائب قائد قوة المهام المشتركة للتحالف الدولي: (إنّ تنظيم داعش ركز اهتمامه من جديد على جعل الناس، خارج العراق وسورية، فضلاً عن بيئات الداخل، يعتنقون فكراً متطرفاً لتنفيذ هجمات في الدول التي يقيمون فيها، وبالتالي، لا يزال أمام التحالف عمل يجب أن يؤديه بشأن أيديولوجية هذا 
التنظيم).
من هنا يمكن القول: إذا كان القيام بذلك هو أحد اهتمامات القيادات العسكرية للتحالف الدولي، فحريٌّ بمؤسساتنا التعليمية والفكرية و الثقافية والدينية بذل أقصى الجهود لمكافحة الفكر المتطرف للحد منه ابتداءً والقضاء عليه تالياً.