السياسة.. مهنة من لا مهنة لهم

آراء 2020/01/25
...

حسب الله يحيى 
 
في كلّ يوم يظهر على الفضائيات وعلى الميديا عموماً والصحافة كذلك، اعداد ممن يصفون انفسهم بـ (المحللين السياسيين).
وفي علمنا أنّ هناك عددا من هؤلاء، يعرضون أنفسهم على الفضائيات ليدلوا بدلوهم في هذه الأزمة السياسية او تلك.. من دون خبرة او تفاصيل او ابعاد ونتائج هذه (التحليلات) التي يدلون بها الى هذه الفضائية او تلك.
وكان الأمل أن ترقى هذه الفضائيات وان تنأى بنفسها عن استقبال هذا (الصنف) من (المحللين) بوصفهم لا يخرجون من عباءة التقليد لسواهم سواء في استخدام المفردات ذاتها، او المواقف والرؤى نفسها، وكأنّ الواحد منهم نسخة
من الآخر.. 
ولو كان هناك من هو معني وممتلئ ويمتلك خزيناً معرفياً وسياسياً ناضجاً من مُعدي البرامج السياسية، لكشف حقيقة هذا النوع من المحللين الدعاة، ورفض استضافتهم بعد اكتشاف امرهم في اول استضافة لهم..
إنّ العقل العربي والعراقي خاصة، به حاجة ماسة الى خبرات سياسية مؤهلة وناضجة، ليست بالضرورة حزبية او اكاديمية وإنّما ان تكون مسلحة بالمعرفة السياسية العالمية، لتكون ارضية متجذرة في هذه المسألة او تلك، وكانت الصحف والمجلات الرصينة تؤسس مراكز ابحاث في هذا الشأن او هذه البلدان، ولا تكتفي ان يكون لها (قسم سياسي) وإنما هي تفصّل وتقسّم وتؤسّس الى معارف سياسية ومراكز ابحاث متخصصة يتمّ الرجوع إليها عند الحاجة.. 
أما الآن فلم نعد نشهد مثل هذه المراكز بعد ان انحصر دور الصحافة الورقيّة، وبات الإعلام يركز على الميديا بشكل خاص.. إلا ان هذا الجانب لم يرتق حتى الآن بتأسيس مراكز ابحاث وإنما تتم الاستعانة بأفراد معينين بهذا الموضوع تحديداً وهم قلة نادرة، ولهم وجهات نظر يفترض ان تناقش من قبل متخصصين في هذا الموضوع ذاته.. 
وبسبب غياب هذه المراكز البحثية المتخصصة والاكاديمية التي تديم صلتها بمتغيرات العصر، بتنا نلحظ يومياً اسماء طارئة، وطاردة للكفاءات، لتخلو لها الساحة وتقول ما حفظته ورسخته في اذهانها المفرغة.. إلّا من مفردات مكررة ومعلومات
 عابرة.. إنّ فضائيات وصحف ومجلات وكليات متخصصة.. لا بدَّ أن تؤسس مراكز بحثية متخصصة ومتجددة ودائمة الحضور بحيث يتم الركون الى معطياتها الفكرية ورؤاها العلمية والمعرفية حتى نسهم في الارتقاء بذهنية المتلقي ولا نعمد الى تجهيلها من خلال هذا الكم الذي يتم ضخه إلينا من جهلة علم السياسة، الذين لا يمتلكون تحليلاً سليماً لما يجري من حولنا من متغيرات سريعة واحداث ساخنة.. 
لقد آن الأوان لكي تتوجّه مؤسساتنا كافة الى احترام المتلقي وذلك عن طريق تقديم خبرات سليمة يمكن أن تزوده بما هو جدير بالاصغاء إليه وتأمّل تصريحاته وتحليلاته الموضوعية.. وإلّا سوف نعيش فراغاً معرفياً يضاف الى الفراغ السياسي الذي نشهده ونعيش أزماته اليوم..