الانتخابات الإيرانية!

آراء 2020/01/26
...

 جواد علي كسّار
من الوجهة التنظيمية والهيكلية لا تختلف الانتخابات التشريعية الإيرانية المرتقبة عن سابقاتها، ففي يوم الجمعة 21 شباط 2020م، ستشهد إيران انتخابات الدورة الحادية عشرة لمجلس النواب الإيراني، ضمن السياقات التنظيمية للدورات السابقة، من حيث اضطلاع وزارة الداخلية بإجراء الانتخابات على مرحلتين، لصعوبة حسمها من الدورة الأولى، بسبب شرط الحصول على 50% من مجموع الأصوات.
أما هيكلياً فإن القوانين الانتخابية في إيران، تفرض على المرشحين المرور من النافذة الرقابية لمجلس خبراء الدستور، هذا المجلس المؤلف من اثني عشر عضواً نصفهم من الفقهاء والنصف الآخر من الحقوقيين، هو من يملك الصلاحية الكاملة لرفض أو قبول المرشح. وهذه نقطة ليست جديدة، بل هي من ثوابت هيكليات الممارسة الانتخابية في إيران، على مدار الدورات النيابية العشر التي تصرمت في تأريخ الجمهورية الإسلامية، كما هذه الدورة أيضاً. الجديد الذي يُلفت النظر مع كلّ دورة، هو طبيعة السجال الذي يُثار حول المرشحين المرفوضين والمقبولين. فما حصل على أبواب الدورة الانتخابية الجديدة للمجلس الحادي عشر، وتحوّل إلى عنوان ضجّة، هو كثرة من رفض مجلس الخبراء ترشيحهم للانتخابات القادمة، مع أنهم نوّاب في المجلس الحالي، اذ امتدت قائمة المرفوضين لتشمل أكثر من ثلاثين نائباً في المجلس النيابي الحاضر، من بينهم تسعة من نواب طهران وضواحيها أبرزهم النائب علي مطهري نجل عالم الدين الإيراني والمفكر مرتضى مطهري، بالإضافة إلى نواب آخرين عن مدن قزوين وشيراز وسبزوار وساري والأهواز وإيلام وقصر شيرين وغيرها. وجه المفارقة أن هؤلاء نوّاب فعليون قد أُحرزت أهليتهم، وإلا ما دخلوا البرلمان الحالي، ما تسبب بإثارة ضجّة كبيرة دخل على خطّها رئيس الجمهورية حسن روحاني ناقداً ومستنكراً، ليفتح سجالاً حاداً بين الرئاسة ومجلس خبراء الدستور، تمحور حول محمود واعظي مدير مكتب الرئيس، وعباس علي كدخدائي المتحدّث باسم مجلس خبراء الدستور.
من الأسباب الأُخر التي ألهبت السجال بل الصراع حول هذه النقطة، هو العدد الكبير من المرشحين الذين رفضهم مجلس الخبراء، خاصة في دائرة من يعرف بالإصلاحيين والمعتدلين، المحسوبين على المذاق الفكري والسياسي للرئيس روحاني، بهذا القدر أو ذاك. مجلس الخبراء عزا أحد أسباب ردّ صلاحية هذا العدد الكبير، إلى الحجم المهول من المرشحين للانتخابات القادمة، حيث بلغ (16) ألف مرشح بحسب تصريح النائب الأسبق لرئيس المجلس محمد رضا باهنر الذي انتقد هذه السعة، وطالب بمعالجتها قانونياً من خلال فرض المزيد من القيود على عملية الترشيح، لكي يتوازن عدد المرشحين مع مقاعد المجلس النيابي التي لا تتجاوز (290) مقعداً فقط، وأيضاً لكي تخفّ الأعباء على مجلس خبراء الدستور، في دراسة الملفات والبتّ بها. الفقيه أحمد جنتي أمين عام فقهاء الدستور رأى أن واحدة من الإشكالات القانونية في مقدمات الانتخابات التشريعية، أن أحدهم قد يتمتّع بالصلاحية للدخول إلى المجلس النيابي ويحمل صفات الإيمان والاستقامة والالتزام، على النحو الذي أحرز فيه موافقة مجلس الخبراء، لكنه يفقد هذه الأهلية بعد دخوله للبرلمان، عندما: «تصل يده إلى المال والسلطة، ويعيش هاجس المقام والموقع ومزالقها». وهذا برأيه هو سبب رفض صلاحية العشرات من النواب الحاليين، وللحدّ من هذه الظاهرة، دعا جنتي: «هيئة الرقابة على سلوك النواب، لكي تتحمّل مسؤولياتها الرقابية على نحو جاد وصارم». 
من أطرف الوقائع، ما تحدَّث به رئيس الاتحاد الإسلامي للمهندسين التنظيم النقابي السياسي اليميني المعروف، محمد رضا باهنر، من رفض مجلس الخبراء لصلاحية مرشح انتخابي من رجال الدين، يشغل الآن موقع إمام جمعة، بذريعة عدم التزامه بالإسلام، على حدّ ما نسب منشوراً إلى باهنر!