د. سعد العبيدي
نكاد نتفق أننا في العراق نواجه مشكلة التجاوز، وأن هناك استعدادا لدى بعض غير قليل من مواطني هذا البلد العريق للتجاوز عند سنوح الفرص المناسبة، إلى المستوى الذي يمكن أن يزيدوا العيار فيه حد السلب والنهب أو ما يسمى بالفرهود عند الشعور بضعف سلطة الحكومة الضابطة، وهو سلوك هدم وإعاقة عام، لا يختلف في معنى حدوثه الفلاح الذي يغتصب الحاصل من صاحب الأرض بغشه في القسمة العامة عن العامل الأجير الذي يسرق ربّ العمل بتسكعه أو بتكراره الصلاة في غير أوقاتها، وكلاهما لا يختلفان في توجهاتهما عن الرعاع الذين يتزاحمون لنهب الدائرة الحكومية أو المؤسسة المهنية وعن السياسيين الذين يزيحون غيرهم من ساحة العمل الحزبي، وعن الموظفين الفاسدين، لأنهم جميعا يصنفون بالمتجاوزين على الحق العام مالاً كان أو موقعا أو صفة.إنّ سلوك التجاوز هذا يبدو وكأنه استعداد في الذات الجمعية يرقى لأن يكون خاصية في السلوك العام تميزنا عن الكثير من شعوب العالم التي تتشابه وإيّانا في مستويات التحضر، لأنه سلوك كان موجودا في قديم الزمان عندما كان المجتمع بدويا يُكبر من عادة السلب والنهب، واستمر كذلك في عصره الحديث ولو بصيغ أخرى تتلاءم وتطوراته الفنية والتقنية، كما حصل في سلب أموال اليهود عام 1948، وأموال العائلة المالكة عام 1958، وممتلكات أهالي المحمرة والفاو في الحرب العراقية الإيرانية، والكويتيين أيام الإحتلال عام 1990، ومن بعدها نهب الدوائر الحكومية والمؤسسات الخدمية والصناعية والمالية والتجاوز على المواقع والأراضي والأبنية الحكومية إبّان الاحتلال عام 2003.ويبدو أنه، أي سلوك التجاوز، صار عادة تأصلت في السلوك العام لا بد من التعامل معها بطريقة تقلل من مستويات حصولها، لأنها اضطراب و هو ما أوصل البلاد الى ما هي عليه الآن، تخلف يعيق التقدم والنمو، وفوضى تعم الأرجاء، وتشتت وانقسام في المواقف والاتجاهات، تنذر بالخطر. إنّ التجاوز سلوك تهديم للمجتمع وتخريب لحالته النفسية تتحمل الحكومة المسؤولية الأكبر لإعادة بناء الإنسان والمجتمع بشكل صحيح وبالتوازي مع خطواتها الأخرى في إعادة البناء والإصلاح، ويتحمل القضاء جزءاً كبيرا من المسؤولية بالتطبيق الصحيح للقوانين، وصياغة الردع المناسب لكف السلوك الخطأ، ونتحمل نحن المؤسسات الثقافية والتعليمية ومنظمات المجتمع المدني المسؤولية التضامنية مع الحكومة في المساعدة على إعادة البناء بالتنبيه والنصح والتوعية والإرشاد والالتزام الذاتي.هذا وإذا ما بقيت الحال على ما هي عليه، ستبقى البداوة بجوانبها السلبية متمركزة في العقل العراقي، وسيبقى المجتمع بعيدا عن معالم التحضر والرقي، معرضا للنهب والسلب ماديا وثقافيا وفكريا عندما تسنح الفرص، وسيبقى السياسي لا يأمن موقعه، ولا يحافظ الحزب على جمهوره، ولا يتجرأ فيه شخص للاستثمار، ولا شركة أجنبية للإعمار، وستبقى البلاد مشروع نهب من قبل الأبناء لا تقوى على البقاء آمنة مستقرة، وان حاول الخيرون.