في مطبخ السفارة الأميركية

آراء 2020/01/29
...

نوزاد حسن
 
  قبل ثلاثة أعوام على ما أذكر، كتبت مقالا في هذه الصفحة نفسها، من جريدة الصباح، عن الهدوء الذي تنعم به المنطقة الخضراء قياسا بمناطق العراق الأخرى. اعترف أنّ المقال كان مليئا بالحسد إن جاز القول، فقد كنت في الحقيقة منزعجا من حديث الفساد والمحاصصة وما جرّته علينا الصراعات السياسية من مشاكل. ومع كل ما قلته فقد ظننت أنّني مجرد حالم يقول أشياء شخصية لا علاقة لها بدنيا الله من حوله، أعني كنت على ثقة بأن المنطقة الخضراء ستظل أهدأ الأمكنة في العالم. دعوني أنقل فقرة من ذلك المقال لأنني لا أستطيع كتابة ما هو أفضل منه.
   لنقرأ: "هل يختلف معي أحد لو قلت إن المنطقة الخضراء هي أهدأ مكان في العالم؟ هي أبعد نقطة عن مشاكل هذا الوجود الكثيرة؟ ففي كل مكان يسقط ضحايا وقتلى ومغدورون، لا أقول في العراق لكني أعني العالم الفسيح من حولنا. لا يوجد مكان لا يضربه إعصار أو زلزال أو صاعقة. كل الأمكنة تخضع لغضب الطبيعة، هنا مجاعة وهناك فيضان يقتل الناس بلا تمييز. في كل بقعة يوجد ما يدل على أن الدنيا فيها الشر الذي يدفع الأبرياء ثمنه، ويوجد الموت في أشكال كثيرة منها سقوط مبنى أو عمارة أو برج عالمي أو ملعب كرة قدم. حتى في المصاعد يموت الناس قتلا أو خنقا. كل ذلك يقع في دنيا الله الواسعة إلّا مكانا واحدا هو المنطقة الخضراء الهادئة التي تعيش في نغم طريف متواصل حيث لا شيء مزعج أو مكدر على الاطلاق. من دون شك سيلاحظ أي قارئ نغمة الانزعاج في ما قلته. وأظن أن هناك من سيقول بقوة: لا يا صديقي، فقد تغيرت الأحوال كما ترى، وتغير وضع المنطقة الخضراء كذلك. ألَا ترى ما يحدث حولك؟ و من دون أي نقاش سأقول لذاك القائل: أتفق معك جدا. بل أستطيع أن أؤكد للجميع إني أنا من حسدت المنطقة الخضراء! ومع أنني لا أملك عينين خضراوين معروفتين بالحسد، فدعوني أقول إن الصواريخ التي استهدفت السفارة الأميركية، مساء الأحد الماضي، لم أكن أتوقع أبدا أنها ستنطلق باتجاه تلك المنطقة الهادئة فضلا عن سقوط أحد تلك الصواريخ في مطبخ السفارة الأميركية أثناء العشاء كما نقلت بعض وسائل الإعلام.
    يمكنني القول إن كلامي الذي قلته منذ أعوام عن هدوء كوني يلف المنطقة الخضراء بعباءته الناعمة لم يعد موجودا، بل إن منْ يسكن هناك عليه أن يفكر جيدا في وقوع الأسوأ إن لم يتوقف سقوط الصواريخ بين حين وآخر.  أظن أنها صورة سريالية بامتياز؛ مطبخ هادئ جدا تعد فيه وجبات طعام لذيذة تراعي شروط الصحة، ثم فجأة يخرق صاروخ كاتيوشا لحظة الهدوء ويحول كل شيء إلى 
خراب.
  لأكرر: هل نحن أمام صورة سريالية لا تقع إلّا في منطقة كانت أهدأ من قرى انكلترا و السويد.
  إنّ استهداف أيّة سفارة لأيّة دولة كانت هو عمل مرفوض، لأن السفارات والقنصليات تمثل دولا نعقد معها اتفاقيات مختلفة، وهذا ما أكّدته الحكومة العراقية رسميا.