يوم التعليم المُغيّب!

آراء 2020/01/29
...

د.محمد فلحي
 
    مرت قبل أيام قليلة مناسبة يوم التعليم الدولي الموافق الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة للاحتفاء بالدور الذي يضطلع به التعليم في تحقيق السلام والتنمية، وعندما كانت دول العالم تحتفل بهذه المناسبة، وتنشر التوعية حول أهميتها، نجدها قد غُيّبت، هذا العام، من أجندة الإعلام العراقي ولم تحظ باهتمام الجهات التربوية والتعليمية، بسبب تصاعد أصوات التظاهرات والاحتجاجات التي تدور حول مطالب مشروعة في كل مجالات الحياة، ومن ضمنها حق التعلم الذي يواجه مشكلات مستعصية وأزمات حادّة تقتضي اتخاذ قرارات حاسمة ومعالجات سريعة.
  يعد التعليم حق من حقوق الإنسان الأساسية، ومسؤولية عامّة على الصعيدين الدولي والوطني، ومن دون ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة، لن تنجح البلدان في تحقيق النهوض الحضاري والمساواة بين الجنسين، وكسر دائرة الفقر والمرض والجهل التي من شأنها أن تخلّف ملايين الأفراد عن ركب الحضارة والثقافة والعلوم.  تعرض النظام التعليمي في العراق، خلال العقود الأخيرة، إلى تصدعات خطيرة، سواء بسبب الحروب أو الحصار أو الإرهاب،وهو يواجه اليوم أزمة لم يسبق لها مثيل من خلال تعطيل الدراسة في عدد من المحافظات، في ظل عدم الاستقرار وتصاعد الاحتجاجات، التي يشكل الطلبة أغلبية المشاركين فيها، حيث تحاول الجهات المعنية استرداد زمام المبادرة وتعمل على إنقاذ العام الدراسي من الضياع، وما قد تعقبه من نتائج وخيمة على المخرجات التعليمية،في المراحل الدراسية كافة. واجه التعليم أزمة سابقة، قبل نحو خمس سنوات، عندما اجتاحت التنظيمات الإرهابية محافظات ومدن عديدة، شهدت عمليات عسكرية من أجل تحريرها لأكثر من عامين، وقد تعطلت المؤسسات التعليمية أو اضطرت إلى الانتقال إلى أماكن بديلة، وسط معاناة قاسية عاشها التدريسيون والطلبة وأُسرهم. واليوم تشهد عدة مدن في وسط وجنوب العراق، ومن ضمنها العاصمة بغداد، اعتصامات وتظاهرات طلابية وشبابية أدت إلى توقف الدراسة بشكل جزئي أو كلي في كثير من المدارس والجامعات والمعاهد، ورغم قرار وزارة التعليم العالي بمعالجة هذه الحالة الطارئة من خلال تعديل التقويم الجامعي لتكون بداية الدوام من يوم الثاني عشر من شهر كانون الثاني بيد أن انعكاسات الوضع السياسي المتوتر ما زالت تمنع آلاف الطلبة من العودة إلى مقاعد الدراسة، وهو ما يستدعي قراراً سياسياً عاجلاً، وليس تربوياً فقط، لخفض التوترات في الشارع وتلبية المطالب الجماهيرية، ومن ثم إنقاذ مستقبل الأجيال الشابة من هذه الأزمة الحادة! 
  قطاع التربية والتعليم، ظل، طوال عقود، يعاني من ظواهرعدة شوهت الصورة الناصعة وأساءت إلى الرصانة العلمية، وفي مقدمتها الفساد وقلة المباني وضعف الكوادر التدريسية وعدم استخدام التقنيات التعليمية الإلكترونية المتطورة، ولا شك في أن شعارات الإصلاح المرفوعة بقوة الإرادة الشعبية حالياً تقتضي شمول التعليم بالإصلاح ووضعه في مقدمة الاهتمامات الوطنية، لأن بناء الأوطان يبدأ ببناء الإنسان عبر العلم والتعليم. هناك أهداف ينبغي العمل على تحقيقها بأسرع وقت في مجال التعليم، من أهمها زيادة عدد المدارس في كل المراحل إلى ما يقارب ضعف العدد الحالي الذي يقدر بنحو عشرين ألف مدرسة لا تتوفر في أغلبها الشروط العلمية والتربوية والصحية، ويمكن أن نختصر أزمة التعليم في العراق في مؤشرين فقط 
هما:
الأول- إن وزارة التربية العراقية كشفت أن عدد المدارس الطينية يبلغ أكثر من ألفي مدرسة، وتقع الغالبية العظمى منها في المحافظات الجنوبية!
الثاني- ظاهرة إزدياد نسبة الأميين، فبعد أن كادت الأمية تختفي في العراق، قبل نحو نصف قرن، كشفت بعض المصادر الرسمية أن عدد الأميين يزيد عن(11) مليون مواطن عراقي حالياً، لا يجيدون القراءة والكتابة، في ظل تحذيرات من اتساع ظاهرة الأمية  وتزايد الشباب الأميين والعاطلين بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد!
   صورة قاتمة لمدارس مبنية على شكل أكواخ من الطين، في قرى مهملة ومحرومة من الخدمات الضرورية، وآلاف الشباب غادروا مقاعد الدراسة مبكراً ولا يجيدون القراءة والكتابة، ولا بد أن الضياع سيكون مصيرهم في عصر النور والعلم والمعلومات، هذه الصورة الصادمة تكشف عن حجم الكارثة ونتائجها المتوقعة إذا لم تعالج قبل فوات الأوان!