العراق.. إمكانات النهوض المستقبلي في المنطقة

آراء 2020/01/31
...

صادق كاظم
 
يملكُ العراق الكثيرَ من الموارد البشريَّة والاقتصاديَّة, فضلاً عن الموقع الجغرافي المميز الذي يؤهله للتحول نحو قوة إقليميَّة مؤثرة في المنطقة، لكنَّ الوصول الى هذا الهدف يحتاجُ الى العديد من الشروط والإمكانيات التي من أبرزها الاستقرار الأمني والسياسي الذي يسمح لأصحاب القرار بالتحول التدريجي صوب هذا الهدف وتوظيف الإمكانيات أو ابتداعها لتدعيم ركائز وأسس الاستقرار الذي يعدُّ الجانب الأهم لأيَّة مشاريع تتبلور في هذا الاتجاه. 
تقدير الموقع الجغرافي الحيوي والمؤثر للعراق مع الأخذ بنظر الاعتبار محدوديَّة العمق الجغرافي له مسألة أخذت بنظر الاعتبار من قبل بعض السياسيين العراقيين في الماضي الذين حاولوا تجنب هذا الضعف عبر التأسيس لشبكة تحالفات دوليَّة مع القوى العظمى وقتها كبريطانيا والولايات المتحدة وإنْ أخذت بمنظار سياسي على أنها تبعيَّة مطلقة للغرب على حساب الاستقلال والسيادة لتعويض هذا الخلل الجغرافي لصالح العراق ومنع تعرضه لتهديدات جيرانه الأقوياء، وهو ما تجسد بشكلٍ واضح من خلال إقامة حلف بغداد عام 1955 قبل أنْ يفشل هذا المشروع ويسقط بعد ثورة الرابع عشر من تموز من العام 1958. 
لقد خسر العراق ومنذ ثمانينيات القرن الماضي بسبب صعود واحدٍ من أقسى وأبشع الحكام الطغاة الى موقع السلطة، الكثيرَ من فرص التغيير والتطور التي لا يمكن تعويضها نتيجة لدخول العراق في دوامة لا متناهية من الحروب غير المبررة والأزمات المتواصلة مع المجتمع الدولي والتي كبدت العراق خسائر بشريَّة واقتصاديَّة ضخمة، في وقت سارعت فيه العديد من دول المنطقة التي كانت تتمنى يوماً ما أنْ تصل الى مصاف العراق من حيث حجم التطور العمراني والاقتصادي الذي كان يشهده العراق خلال فترة ما قبل عام 1980 الى النهوض اقتصادياً وسياسياً وبسرعة كبيرة وخلال فترة قياسيَّة من خلال استغلال المناخات والتغييرات الاقتصاديَّة والدوليَّة التي عرفها العالم, خصوصاً خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي في حين دخل العراق في نفقٍ مظلمٍ من الحصار والعزلة الدوليَّة الخانقة مع تشددٍ من قبل النظام الشمولي الدكتاتوري في اتباع أسلوب التقوقع والانكفاء مع إصرار عجيب على البقاء في تلك العزلة وتوظيفها لتشديد قبضة الحكم 
داخلياً. 
العراق وبحكم حجم الإمكانيات الضخمة التي يملكها يمكنه النهوض والتعافي بسرعة واستعادة دوره الإيجابي السابق في المنظومة من خلال توظيف الأدوات الممكنة المتوفرة عبر إعداد خارطة استثمار اقتصاديَّة وتطوير لقطاعات البنى التحتيَّة وسن القوانين الجاذبة والمشجعة لحركة رؤوس الأموال في البلاد وإيجاد قاعدة صناعيَّة متعددة حقيقيَّة تقوم على مبادئ التطور والمنافسة والتصدير. الأهم من ذلك كله ترميم النظام السياسي الحالي وإصلاحه عبر تقنين دخول الأحزاب الى الكابينة الحكوميَّة واكتفائها بدور رقابي فاعل في البرلمان مع منح رئيس الحكومة صلاحيَّة اختيار طاقمه الوزاري مع القيام بعرض الإنجازات الحكوميَّة وأداء الوزارات مرة واحدة كل عام، وهو ما أثبتت الأحداث الأخيرة الحاجة إليه, فضلاً عن الحرب على الفساد ومكافحته والإطاحة بمافياته وحيتانه وهي حرب لها أهميتها، إذ إنَّ الفساد بات يمثل التهديد الثاني للدولة العراقيَّة بعد تهديد الإرهاب والتماهي معه والسكوت عنه ومداراته والقبول به سيشكل تهديداً جسيماً وخطيراً وسيقوض أيَّة جهود لتطوير وتحديث مؤسسات الدولة العراقيَّة والاقتصاد, إذ إنَّ هذا الفساد المتشعب والضخم مع غياب الآليات الصارمة لمكافحته سيتحول الى وحشٍ ضارٍ سيعمل على التهام هذه الجهود وتعطيلها. الجانب السياسي في استقرار العراق يمثل عاملاً مهماً ومطلوباً من خلال بناء علاقات تعاون إيجابيَّة مع دول المنطقة تقوم على أسس الشراكة واحترام السيادة الوطنيَّة والمساهمة في حل النزاعات والخلافات في ما بينها وتجنب الانحياز والوقوف مع أي طرف لحساب الآخر.