الضربة الايرانية وتقنية الصواريخ الدقيقة

بانوراما 2020/01/31
...

مجلة ايكونومست
ترجمة: خالد قاسم
بينت صور الأقمار الاصطناعية لقاعدة عين الأسد نتائج الهجوم الصاروخي الايراني البالستي فجر 8 كانون الثاني الماضي، ودلّت الصور على دقة عالية. فقد ضربت ايران قلب قاعدة مترامية الأطراف، في منطقة مكتظة بالطائرات والمروحيات والمباني، لكن تلك الدقة كانت متناقضة فقد سجلت الصواريخ ست ضربات مباشرة على حظائر طائرات فارغة. وقد يكون ذلك ردا كافيا على اغتيال القائد العسكري الايراني قاسم سليماني قبلها بخمسة أيام، بدون اثارة رد مضاد، ويقول فيبين نارانغ من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا: “أهم حقيقة مستخلصة من الهجوم الايراني هي مدى دقة صواريخه قصيرة المدى.
أصبحت ثورة الدقة حقيقية ولم تعد حكرا على الولايات المتحدة، ولذلك مضامين كبيرة على الصراع المعاصر.”
تقاس دقة الصاروخ بمعيار “الخطأ الدائري المحتمل” وهو نصف قطر تسقط الصاروخ داخل أحد نصفيه، وكلما قلّ الخطأ ازدادت دقة الصاروخ. 
فعندما أطلق صدام عشرات صواريخ سكود خلال حرب 1991 على السعودية واسرائيل كان معدل خطأ صواريخه يتجاوز كيلومترين، وهذا كاف لترهيب المدن لكنه عديم الجدوى لضرب أو تجنب مبان محددة. وتوفي اسرائيليون بسبب السكتة القلبية والضغط العصبي أكثر من قتلى التفجيرات، لكن أحد الصواريخ قتل 28 جنديا أميركيا في السعودية بسبب تشظيه وانتشار الحطام على 
ثكناتهم.
 
دقة متناهية
بدون معرفة أهداف صواريخ ايران على وجه التأكيد فيصعب حساب معدل الخطأ، لكن خبراء قدرّوا مسافات بين 100 متر الى 10 أمتار، أي ما يعادل نصف طول جناح طائرة ريبر المسيرة الرابضة بنفس القاعدة. فإذا ضرب كل صاروخ مبنى محددا مسبقا فيعني ذلك أن معدل الخطأ خمسة أمتار، بحسب مايكل إليمان من المعهد الدولي للدراسات 
الستراتيجية.
والسؤال هو: كيف أنجزت ايران مثل هذه الدقة؟ أشارت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية بتقرير نشر مؤخرا الى “تحسن تقنية التوجيه والقدرة على المناورة” وهناك وسائل كثيرة لتوجيه الصاروخ، فنظام الدفاع الجوي الايراني “أس أي 15” الذي أسقط بالخطأ طائرة مدنية أوكرانية كان من المفترض أن يستخدم الرادار لتعقب هدفه ويرسل تعليمات الى الصاروخ عبر اللاسلكي. 
وكان ضرب نقطة معينة على الأرض في الماضي يتطلب وجود رؤية بصرية أو ألكترونية للهدف، إما بجهاز التحكم عن بعد عبر كاميرا تلفزيون مثبتة على الصاروخ أو شخص يوجه الصاروخ بتوجيه الليزر الى الهدف. 
والبديل اذا لم تنجح تلك الأساليب هو قطعة تكنولوجية متقنة تدعى “نظام الملاحة بالقصور الذاتي” ويستخدم أدوات تحديد اتجاه وأدوات قياس تسارع مثبتة على الصاروخ لحساب موقع القذيفة وسرعتها نسبة الى نقطة انطلاقها.
يقول آرون كارب من جامعة أولد دومينيون في فيرجينيا ومستشار أسبق بشؤون الصواريخ للأمين العام للأمم المتحدة: “كانت ملاحة القصور الذاتي ربما ذروة الهندسة الميكانيكية ومن بين أكثر الأشياء المصنوعة تعقيدا.” لكن عقد التسعينيات شهد نهاية هذا النظام وظهور “الأنظمة الألكتروميكانيكية المصغرة” وهي رقائق ذات هياكل ميكانيكية هزازة تكشف حركة الزوايا. 
وتعد هذه التقنية رخيصة وواسعة الانتشار (تستخدم في الوسادة الهوائية للسيارات وألعاب الطائرات المسيرة). ويجعل ذلك من الصعب تقييدها بوسائل التحكم بالصادرات العسكرية.
يجمع صاروخ الفاتح 110 الايراني (أحد الصواريخ التي ضربت قاعدة عين الأسد) بين متحسسات القصور الذاتي ونظام “جي بي أس”، مما يحول ما كان مجرد صاروخ بسيط الى سلاح دقيق.
ليس مفاجئا انتشار الصواريخ الدقيقة، فقد وسعت السعودية كثيرا قوتها الصاروخية البالستية بمساعدة الصين، وكشفت الأقمار الاصطناعية بناء الرياض مصنع صواريخ بمفردها العام الماضي. 
لم تعد الصواريخ الدقيقة حكرا على الحكومات، اذ منحت ايران أنظمة توجيه وصواريخ لحزب الله اللبناني. وكان السخاء الصاروخي الايراني مفيدا لبرنامجها الخاص، ففي 2001 استوردت طهران بصورة غير قانونية ستة صواريخ “كي أتس 55” الروسية وأنتجت نسخة منه تدعى “سومار”. ومن ثم قدمت نسخة منه للحوثيين الذين استخدموه كأحد الصواريخ ضد العمق السعودي. يقول فابيان هاينز من مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار النووي في كاليفورنيا: “لقد وفر النزاع لايران فرصة دراسة عمليات الصواريخ الدقيقة في بيئة قتالية 
فعلية” .